النزيف!
التزييف والغش أصبح ظاهرة عالمية .. حتى إن 7 في المائة من التجارة العالمية تستهدف في السلع المزيفة .. ومثلاً حجم تجارة الأدوية في العالم يساوي 170 مليار دولار .. منها 10 في المائة أدوية مغشوشة أو مزيفة .. وأن الإنتاج المبني على التزييف بلغ في "الولايات المتحدة" وحدها 650 مليار دولار عام 2007. وفي إحصائية أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط وهيئة الغذاء والدواء في المملكة أن حجم خسائر الغش التجاري على المستوى العربي يقدر بـ 8 مليارات دولار .. أما خسائر المملكة وحدها من الغش التجاري، فقد بلغت 41 بليون ريال سنوياً!!
وهي أرقام مفزعة، في حين كشف القاضي "أحمد بن ضيف الله الغامدي" رئيس ديوان المظالم أن ثلاثة آلاف حالة وفاة من بين ستة آلاف حالة في المملكة تحدث سنوياً بسبب قطع الغيار المقلدة، مثل إطارات السيارات والمكابح التي تدخل المملكة عبر النقاط الجمركية.
وصرح اللواء "سليمان العجلان" مدير عام الإدارة العامة للمرور، أنه يوجد في الأسواق نصف مليون إطار غير صالح للاستخدام .. المسألة ليست إطارات السيارات والمكابح فقط، ولكن الغش التجاري طال كل شيء .. الطعام والملابس والأدوات المنزلية .. وأجهزة المحمول والكمبيوتر .. وحتى لعب الأطفال.
وكما أشار الدكتور "كينيو وبكوريا" أمين عام الجمارك العالمية، فإن هناك منتجات مسرطنة في لعب الأطفال والسيارات والأطعمة .. وعدد التحديات التي تواجه عملية القضاء على الغش التجاري، ومنها النظام القضائي وكفاءة رجال الجمارك، وهذا هو لب القضية في هذا النزيف الذي يقدر بـ 41 بليون ريال خسارة للمملكة نتيجة الغش التجاري بالنسبة للنظام القضائي، فقد تفاوتت العقوبات بحديها الأعلى والأدنى بقدر تفاوت المخالفة، وهي غرامة مالية لا تزيد على 500 ألف ريال أو السجن مدة لا تزيد على سنتين، أو بهما معاً. هذا في الحد الأعلى، أما في الحد الأدنى فالغرامة لا تزيد على 50 ألف ريال .. أو السجن مدة لا تزيد على ستة أشهر.
كما يحق لديوان المظالم الحكم بإغلاق المحل التجاري المخالف مدة لا تتجاوز سنة، يعني إذا تفجرت إطارات سيارة تحمل أسرة مكونة من زوج وزوجة وثلاثة أو أربعة أطفال، وتوفوا جميعاً، وظهر أن الإطارات مغشوشة أو مقلدة، فتكون العقوبة غرامة 500 ألف ريال والسجن لمدة لا تزيد على سنتين!! إذن فالمواطن السعودي لا يساوي الكثير!! أما مسألة الجمارك فحدث ولا حرج .. فقد بينت الإحصائيات أنه تم شطب 8 ملايين وحدة مغشوشة في النصف الأول من هذا العام .. وهناك طبعاً ما لم يتم ضبطه.
كيف دخلت هذه الوحدات المزيفة أو المغشوشة إلى أسواق المملكة؟ هناك خلل مؤكد .. هذا الخلل الذي يتسبب ليس فقط في نزيف مليارات الريالات .. ولكن أيضاً في نزيف الأرواح نتيجة الإطارات المغشوشة أو المقلدة .. والمكابح غير الأصلية، بجوار الأطعمة والأدوية وألعاب الأطفال وحتى السيارات، مطلوب إعادة النظر في القوانين التي تعاقب جرائم الغش والتزييف وتغليظ العقوبة. أيضاً ضرورة إعادة النظر في نظام الجمارك والعاملين فيها، وإعداد رجال أكفاء يحمون البلاد من هذا النزيف .. وإلا فإن الانفلات سوف يزداد، كما سوف يزداد النزيف.