تنظيم النشر الإلكتروني .. ردود أفعال غير مستغربة
ردود الفعل المتفاوتة على اللائحة التنظيمية لنشاط النشر الإلكتروني التي اعتمدها وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة أخيراً، أمر غير مستغرب، فاللائحة جاءت لتنظيم قطاع إعلامي مهم وحساس، عاش طوال السنوات الماضية في فوضى وغياب في المسؤولية في كثير من جوانبه، وهذه الفوضى وعدم استشعار المسؤولية نراهما في المواقع التي تبحث عن ما فيه إثارة وجذب للقارئ بأي وسيلة كانت، حتى ولو كان ذلك بنشر أخبار كاذبة أو إشاعات أو التعرض للأشخاص أو الجماعات دون تحمل مسؤولية ما ينشر.
هذه الفوضى أساءت إلى كثير من الصحف الإلكترونية والمجموعات البريدية والمواقع الشخصية التي تميزت بالتزام كبير، بعضها استطاع أن يفرض نفسه كوسائل إعلام مؤثرة وواسعة الانتشار عبر متابعة الحدث وطرحه بكل شفافية وصدق.
تنظيم النشر الإلكتروني تأخر لدينا كثيراً، وكان هناك ترددٌ في تنظيمه رغم أهمية هذا التنظيم حفاظاً على النماذج الناجحة والمتميزة منه، وقد سبقتنا دول عربية عديدة في تنظيم هذا النوع من النشر، وتحديد مسؤولية النشر فيه، فبعض الدول مثل الأردن أخضعت المواقع الإلكترونية لقانون المطبوعات والنشر المطبق على وسائل الإعلام الأخرى، وهناك دول أناطت بالجهات الأمنية متابعة ما ينشر عبر المواقع الإلكترونية، انطلاقا من أنها مجال سهل الاختراق، وتمرير كثير من الأخبار والتقارير الموجهة.
تنظيم قطاع النشر الإلكتروني سيكون في صالح الصحف الإلكترونية التي تمارس عملها بمهنية عالية وتتقصى الحقائق قبل النشر، وهي صحف عديدة، يُشهد لها بأنها أخذت من الأهمية والمتابعة وسرعة نشر الخبر، بل المصداقية، ما يفوق بعض الصحف المطبوعة، وبعضها يحظى بمتابعة كبيرة، بحيث لم يعد مستغرباً أن تجد خبراً من الأخبار وقد اطلع عليه عشرات الآلاف من القراء، وخلال فترة وجيزة من نشره.
كما أن تنظيم النشر سيدفع مواقع عديدة إلى إصلاح أوضاعها، أو الانسحاب حتى لا تتعرض لعقوبات، لأن بقاءها على ما هي عليه من نشر أخبار مشكوك في صحتها أو إثارة النعرات أو الإساءة إلى الجماعات والأفراد سيكلف القائمين عليها كثيرا، كما أن تنظيم النشر الإلكتروني سيحد من انتشار تلك الأشباح المتخفية خلف أسماء مستعارة، وتدير مواقع مشبوهة لا يُعلم من أين تصدر، ولا من يقف خلفها.
اللائحة لن تكون رقابية بقدر ما ستسعى إلى تحديد المسؤولية عما ينشر، ولهذا نجدها قد حددت عقوبات للنشر غير المسؤول، تراوح بين الإلزام بنشر تصحيح المحتوى والغرامات للحق العام والتعويض للحق الخاص والحجب الجزئي والمؤقت والكلي للمواقع المخالفة.
والإشكالية التي ستواجه الوزارة، تتمثل في أن متابعة تنفيذ هذه اللائحة تحتاج إلى إدارة مستقلة للنشر الإلكتروني، يتوفر فيها جهاز إداري متكامل، قادر على تنفيذ ما جاء في اللائحة من اشتراطات، وعلى متابعة ما يرد من شكاوى، وسرعة البت فيها.