شركة المراعي .. مثال طيب وتحديات جديدة
بدأ سوق الأسهم السعودي بالدخول إلى مرحلة جديدة، فبعد أن سيطر عليه المد الرافع لكل شيء والجذر الخافض لكل شيء من خلال موجات المضاربة، بدا السوق أقرب إلى العقلانية والتثمين الواقعي. ولعل أحد الأمثلة على ذلك تثمين شركة المراعي في السوق، فسهم الشركة ارتفع هذا العام بنسبه 35.5 في المائة، مقارنة بالمؤشر الذي سجل ارتفاعا بـ 8 في المائة (إقفال 31/12/2010). ولكن أهم من هذه الأرقام هو الفكر الاستراتيجي والتنفيذ العملي على أرض الواقع، لعله القليل من الشركات السعودية التي استطاعت تحقيق هذا الحضور اللافت، ليس على مستوى المملكة فقط، بل على مستوى المنطقة. واستطاعت "المراعي" التحول من إحدى شركات الألبان العاملة في المملكة إلى شركة صناعات غذائية متكاملة متميزة.
ما يجعل نجاح "المراعي" لافتا هو ذلك التخبط الاستراتيجي والضعف الإداري في أغلب الشركات السعودية، ويشمل هذا التخبط حتى جزء كبير من الصناعة المصرفية. هناك أمثلة أخرى غير "المراعي" مثل "جرير" و"صافولا"، ولكن نجاح "المراعي" متصاعد ومتواصل بسبب الرؤية الثاقبة للأمير سلطان بن محمد، وآخرين مثل عبد الرحمن المهنا، ورسم تلك التركيبة الفريدة في تداخل الملكية مع الإدارة. في نظري هذه من أهم النقاط، حيث إن العقلية التقليدية في الإدارة تطالب أن يكون هناك فصل بين الملكية والإدارة، ولكن نظراً لضعف البنية الإدارية والقانونية لدينا لا يمكن لهذه العقلية أن تسود في هذه المرحلة من تطورنا التجاري.
كل المؤشرات المالية تدل على أن "المراعي" في وضع صحي، وشركة واعدة، خاصة في منطقة من العالم يغلب عليها المراهنة على الموارد الطبيعية، وليس الفكر الاستراتيجي والقدرات الإدارية، ولكن ستواجه "المراعي" تحديات كبيرة تدور حول محاور عدة ـــ في نظري ـــ أولا، حول تسعيرة الماء المحتوى embedded water، ـــ حيث إن الماء أساسي في تركيبة الألبان خاصة والأغذية عامة. فالمملكة ليست غنية مائياً ودور ذلك، خاصة في اقتصاديات التصدير والجدل حوله. ثانياً، التحدي الداخلي أنه كلما ازداد الحجم أفقيا ورأسيا ازداد التحدي الإداري. ثالثا، التحدي التجاري .. فحجم "المراعي" اليوم لا بد أن يرميها في مصاف العالمية، إلا أن هذا العامل قد يكون أحد الخيارات الاستراتيجية لاحقاً في الاندماج أو الاستحواذ.. رابعاً، وهذا (عامل ملازم) لكل شركات الأغذية، وهو السياسات الرقابية وسياسات الدعم غير المباشر في بعض النواحي كدعم المواد الغذائية صناعة أو استهلاكا (أو الضغط بالمحافظة على الأسعار حتى ولو ازدادت التكاليف) ما قد يؤثر في الجودة.
كل هذه التحديات قابلة للحل إذا استطاعت "المراعي" التكيف الاستراتيجي والاستمرار في زرع الأنظمة الداخلية وإعداد الكوادر، ولكنها تحديات من نوع آخر، وسوف تكون ضريبة ارتقاء "المراعي" إلى العالمية. كما أن "المراعي" لم تسلم من الأخطاء مثل الدخول في شركة زين للاتصالات.
ستبقى "المراعي" مثالا تدرسه كليات إدارة الأعمال في المملكة للتعرُّف على مسبّبات النجاح أو عدمه، وتدرسه الشركات الأخرى التي كان ولا يزال لديها الفرص نفسها، ولكن العمق الإداري والرؤية الاستراتيجية حالا دون أن تنطلق. كثيراً ما نتحدث عن الاقتصاد الكلي وسياسات الحكومة المالية والاقتصادية والعمالية، ولكن وحدة النجاح دائماً هي تلك الشركة ذات الكفاءة الإنتاجية العالية من خلال تقديم ما يحتاج إليه المستهلك النهائي بسعر تنافسي، وعائد طيب على رأس المال المستثمر. "المراعي" مثال طيب على هذه المعادلة.