ما الحكمة من منع الجمع بين طلب إلغاء القرار الإداري والتعويض في دعوى واحدة ؟!

الحمد لله رب العالمين الهادي إلى الطريق المستقيم، والصلاة والسلام على رسول الهدى المرشد إلى اتباع النهج السوي القويم، وبعد، فإنه أثناء قراءة ورقة عمل علمية أعدها أحد قضاة ديوان المظالم، وقدمت في حلقة نقاش في جامعة الملك سعود، فقد استرعى انتباهي ما كتب في الصفحتين الرابعة والخامسة عندما قال: (ولا بد من الإشارة هنا إلى أهمية التمييز بين دعويين كثيرا ما يقع الخلط بينهما في نطاق البحث في الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، هما دعوى التعويض ودعوى الإلغاء، خاصة أن معالي رئيس ديوان المظالم أصدر قرارا برقم 180 وتاريخ 11/10/1430هـ منع فيه الجمع بين طلبات إلغاء القرارات والتعويض عنها في دعوى واحدة، وقضى بأن تقام لكل طلب منهما على حدة دعوى مستقلة، اعتبارا من تاريخ نفاذ هذه، والحكمة ظاهرة من هذا القرار) (1).
الذي استرعى انتباهي - بحق - محاولة معرفة الحكمة الظاهرة من هذا المنع وعدم الجمع بين طلب التعويض وإلغاء القرار الإداري من خلال ما كتبه فضيلة القاضي، فلم أستطع استخلاص الحكمة التي استوجبت هذا المنع وعدم الجمع بين الطلبين، أهو لمجرد أن النظر في إلغاء القرار يسبق النظر في طلب التعويض عن الضرر المترتب من القرار؟
إن مثل هذا الطرح حري بالنقاش والحوار العلمي والواقعي لهذا الموضوع بحياد وتجرد واستقلالية يعطي النتائج والدروس المفيدة، وبحكم معرفتي المحدودة، وخبرتي المتواضعة ليس في مجال المحاماة فقط، إنما في عمل قضائي في عضوية اللجنة الاستئنافية الجمركية لمدة ثماني سنوات، فإني أرى أن تسهيل الإجراءات وسرعة البت في القضايا تستلزم اتباع أفضل السبل، وأسهل الإجراءات التي تمكّن من تحقيق العدل والإنصاف، ومن خلال إعطاء كل صاحب حق حقه، ونعرف أن أغلب الطعون في القرارات الإدارية، وطلب إلغائها هو بقصد الحصول على التعويض عن الأضرار المترتبة على القرارات المطعون فيها، وكون النظر في طلب إلغاء القرار يسبق النظر في طلب التعويض لا أعتقد أنه مبرر كاف ووجيه للفصل بين الطلبين في دعويين منفصلتين؛ لأن هذا لا يحقق مصلحة معتبرة قضائيا أو إداريا لأن فيه إطالة كبيرة جدا في الوقت للبت في الطلبين، واللذان يعتبران طلبين متصلين اتصالا واضحا في الوقائع ووسائل الإثبات والأسباب؛ ولذلك يمكن تكييفهما على أساس هذا الترابط بأنهما طلب أصلي وطلب تبعي بحيث إذا ثبت صحة طلب إلغاء القرار فإن هذا يستتبع - بطبيعة الوقائع - النظر في تعويض المدعي عن الضرر، وهذا في رأيي المتواضع هو الأفضل؛ تجنبا لتعدد القضايا، وما يستتبع ذلك من إجراءات مطولة وروتين معطل، وجهد وعبء إضافي على الجهة القضائية، فضلا عن أطراف النزاع، وما يترتب على ذلك من تكاليف مالية لا موجب لها، وأكرر أن تسهيل الإجراءات، وتيسير السبل للوصول إلى تحقيق العدل والإنصاف تُُعد من الوسائل المهمة التي يتغياها واضع كل نظام يُشرع لتحقيق مصلحة عامة، وهذا ما ترسخ في ذهني أثناء الدراسة في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، فقد لاحظت أنه يركز على ما أطلق عليه (القضاء الكامل) أو الشامل، الذي وصف بأنه عكس قضاء الإلغاء عندما قيل: (.. لا يتوقف فقط عند حد إلغاء القرارات الإدارية، إنما تكون للقاضي سلطة أوسع وحرية أكبر في العمل بحيث يستطيع بجانب إلغاء القرار الإداري الحكم على الإدارة بدفع تعويض مالي) (2) فالأمر واضح من هذا السياق في أهمية الجمع بين الطلبين (الإلغاء والتعويض) في دعوى واحدة أطلق عليها (القضاء الكامل)، ولهذا نجد القول الواضح عندما قيل: (للقاضي الإداري سلطة واسعة بصدد الفصل في دعوى القضاء الكامل، ويبدو ذلك من الاسم ذاته (أي من عبارة القضاء الكامل التي توحي بأن القضاء الآخر'' قضاء الإلغاء'') (3) وهكذا تظهر أهمية القضاء الكامل وفقما سبق بيانه، وقد أورد القاضي في ورقة العمل العلمية التي أعدها تحت عنوان ''اختصاصات ديوان المظالم في قضاء التعويض'' ما نصه ''تعتبر دعوى التعويض - في الفقه والقضاء الإداريين - من أهم صور دعوى القضاء الكامل، التي تتسع فيها سلطة القاضي... ''، واستمر إلى أن قال: ''.. ولهذا قيل إن دعوى التعويض تعد مكملة لدعوى الإلغاء، بحيث يمكن نظرهما وكأنهما دعوى واحدة''، فهو بهذا القول يتفق مع ما سبق أن بينته، لكن يستدرك لتبرير الفصل بين الطلبين في دعويين منفصلتين بقوله: ''وصحيح أن ديوان المظالم اليوم لا يجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، لكن ذلك بغرض عدم إطالة أمد قضايا الإلغاء، للبحث في التعويض، وما يعتريه من أخذ ورد طويلين''، ومع احترامي لهذا الرأي، فإني لا أتفق معه، بل أرى عكس ذلك تماما بأن الفصل بين الطلبين في دعويين هو الذي يؤدي إلى إطالة أمد النظر في كل دعوى من الدعويين بسبب الفصل الحاصل بين الطلبين، وأعتقد أن هذا يدركه كل مزاول لمهنة المحاماة، ولا أريد الإطالة أكثر مما بينته آنفا، بل أكتفي بذلك، ولعل كل مختص من القضاة والمحامين والمستشارين يشاركون في النقاش والحوار العلمي المفيد بما يرى أنه يحقق المصلحة العامة، ويكفل سرعة البت في الدعاوى في أقصر وقت ممكن، والله الموفق والهادي إلى الطريق المستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
_____________________
هوامش:
1 - ورقة العمل مقدمة من فضيلة القاضي الدكتور عبد العزيز بن محمد المتيهي.
2 - راجع بشكل أكثر تفصيلا مؤلف الدكتور محمد كامل ليلة ''الرقابة على أعمال الإدارة (الرقابة القضائية)'' طبعة 67 - 1976 - صفحة 1305 وما بعدها.
3 - المرجع نفسه ص 1309.
4 - ورقة العمل ص (5،6).

المزيد من مقالات الرأي