وذابت مدينة..!

لمدننا القدرة على الذوبان..
وهي بهذا تشاطر الملح والسكر خاصيتهما الأميز!
وقد اتكأ النفعيون من تجار العقار على جفاف أغلب مدننا، حتى في فصل الشتاء، فاشترى المواطن (كادح)، منهم، أرضا بدت جافة.. وراسخة حين الشراء.. إلا أنها ذابت عند أول تجربة صمود.. ولم يبق منها سوى إلزامية السداد للقرض.. وصك يؤكد أنه كان هناك بيت على أرض!
وبالمناسبة، أعتقد أنه من حق أجهزتنا الإعلامية أن تروج عالميا لفكرة أننا البلد الوحيد الذي تذوب فيه مدن دون وجود أي أثر للبراكين، ولله الحمد والمنّة! فبعض مدننا يصح أن يطلق عليها ''ذائبة المطر''! وفي ظل سهولة إصلاح بيوت الطين فيما مضى.. والدروب الترابية المؤدية للحقول والمساجد! تقف المدنية عاجزة عن إصلاح كثير مما يتضرر في مدنيتنا ذات ''الخصوصية'' الشديدة!
سأسأل سؤالا..
هل يستقيم أن نطمح إلى تنمية حقيقية، بينما نشاهد بأعيننا كيف تذوب مليارات أنفقت على الطرقات والجسور والمنازل؟
هل يصح أن نثق في تطلعات؟
وكيف لنا أن نتطلع للأمام وللأعلى، بينما يفترض بنا أن نراقب الأرض من تحتنا؟ ألا يحذرنا الدفاع المدني مرارا و''تركرارا'' من مغبة عدم الانتباه لأي مطر؟!
أرى تجار العقار يصرون على ''مواساة'' (مساواة) حتى الهضاب التي يمكن أن تشكل تحفة بصرية لو تم تطويرها للسكن كما هي! حتى الهضاب التي تشكلت عارفة وماهرة بأفضل سبل التخلص من مياه السيول بنفسها ودون مساعدة، يأتي تاجر، ويسمي نفسه مطوّر (على فكرة)، ليجتث الهضبة ويسطحها حتى يحصل على أكبر كم ممكن من الأرض الخام! لتكون النتيجة إن أتى الشتاء ذوبان طرق وبيوت وبقاء أسر في شبه الشتات!
لا ضابط ولا رابط لمفهوم التطوير العقاري، وطالما أن الحال إلى هذه الدرجة آلٍ، أقترح على كل مواطن أن يتحول إلى مطوّر عقاري! طوروا ولا تخافوا شيئاً..! ألسنا نحن (المواطنين) من كنا نستغيث طالبين أن يتم السماح بتعدد أدوار البناء، ولم يستجب بعض المسؤولين سوى بعد مرور نصف قرن تقريبا؟! إذا لماذا نعتقد أن من حق بعض المسؤولين أن يوافقوا على خطط التطوير التي لا يصح أن يطلق عليها أكثر من خطط ''تغرير'' أو ''تمديد'' أو ''تمغيط'' .. أيهما أنسب!
كيف يزعمون أنهم مطورون بينما مخططهم يمتد من رأس جبل حتى ينتهي في جزء كبير منه إلى ''شعيب''! أليس لنا أن نطالب، على الأقل، بملاحقة مؤسسات التطوير الضالعة في مخططات الموت والذوبان هذه، وسحب التراخيص منها حتى لا يستمر مسلسل المأساة! ومن عساه سيضمن لنا أن خيارات أبنائنا العقارية في المستقبل لن تنحصر سوى في وديان (للأثرياء منهم) و في ''دحول'' للمناضلين؟!
وعندها سيكون من أولويات شروط البناء.. توفير العوّامة.. فقط لا غير!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي