معرض تراث المملكة المخطوط

ليس هناك مهمة أصعب من المحافظة على المخطوطات وصيانتها، فهذه المهمة التي تتناول أثرا تاريخيا بالغ الأهمية، وتحرص كثيرٌ من الدول على الحفاظ عليه، لا يمكن أن يقوم بها فرد أو مجموعة أفراد تنقصهم الخبرة ووسائل الحفاظ على الكتاب المخطوط؛ ولهذا نجد كثيرا من المكتبات المتخصصة، خاصة في العالم الغربي تحرص على جمع المخطوطات والحفاظ عليها، وتنفق الأموال الطائلة من أجل ذلك، حتى ولو لم يكن لها علاقة بتاريخ، أو ثقافة تلك الدول.
ففي كثير من المكتبات والجامعات الأوروبية، هناك مجموعات كبيرة من المخطوطات الإسلامية التي وصلت إلى الغرب عبر وسائل عديدة، من بينها ما قام بجمعه المستشرقون وأودعوه في تلك المكتبات، وبعض هذه المخطوطات كانت من الأسس الرئيسة التي قامت عليها بعض العلوم، ونقلناها فيما بعد إلى عالمنا الإسلامي.
ومن منطلق أهمية المخطوطات، وإدراك صعوبة الحفاظ عليها، خاصة من قبل الأفراد، جاء اهتمام دارة الملك عبد العزيز بالمخطوطات، فحرصت على اقتنائها، حتى بلغ ما تم اقتناؤه من المخطوطات الأصلية ثلاثة آلاف مخطوطة، كما أنشأت مركزا للترميم والمحافظة على المواد التاريخية، هدفه الحفاظ على الوثائق والمخطوطات، وتقديم المساعدة لمن يرغبون في الحفاظ على ما لديهم من مخطوطات ووثائق، ومعالجة ما فيها من عيوب، ويضم المركز عدة أقسام للتعقيم والترميم والتجليد والمصغرات الفيلمية.
هذه الجهود في المحافظة على التراث المخطوط كان من نتائجها ما شاهدناه مساء يوم الأحد الماضي، حينما افتتح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز معرض "تراث المملكة العربية السعودية المخطوط"، وهو المعرض الذي أوضح الدكتور فهد السماري أمين عام الدارة أن من أهدافه "لفت الانتباه إلى المخطوطات كونها مصدرا تاريخيا نقيا وأصيلا، وإتاحته للحركة العلمية والبحثية، وتقديمها بصفتها نموذجا للمصدر الأولي الذي يعتمد العقل أكثر من النقل في مسألة البحث والدرس، ورفع مستوى الاهتمام بها، وإبراز التراث الفكري السعودي المخطوط للباحثين والمهتمين ومختلف الفئات العلمية والاجتماعية في المجتمع على أنه مسار يعكس الجوانب الأخرى المصاحبة للتاريخ الوطني".
إن أهمية هذا المعرض الذي سيستمر لمدة شهر ونصف الشهر، أنه يأتي في زمن تخلى فيه الكثيرون عن الكتاب المطبوع، اعتقادا منهم أن ما ينشر على شبكة الإنترنت يُغني عن الاحتفاظ بالكتب، وصاحب هذا تراجع على مستوى الأفراد في الإحساس بقيمة المخطوطات؛ مما يجعل المراكز المتخصصة، ومن بينها دارة الملك عبد العزيز، هي المكان المناسب للحفاظ على المخطوطات والوثائق، وتوفيرها للباحثين على مختلف تخصصاتهم، وهو جهد يضاف إلى جهود عديدة تقوم بها الدارة، وتتمثل في إنشاء مراكز تاريخية متخصصة، وإنجاز مشروعات علمية، وتوثيق تاريخ المملكة وترجمة الكتب ذات العلاقة باختصاصات الدارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي