توقعات النمو وأهم تحديات 2011

بعد صدور الموازنة العامة للدولة لعام 2011، فإن قراءة لأهم التحديات لعام 2011 تبدو مهمة للقارئ وصانع القرار. ففي اعتقادي أن أهم التحديات للعام المقبل تتمثل في قدرة القطاع الخاص على استيعاب الإنفاق الحكومي القوي، وقدرة شركات القطاع الخاص على تحقيق ربحية أعلى مما هي عليه في 2010 ومدى تأثير ذلك في سوق الأسهم السعودية، وقدرة البنوك السعودية على رفع مستويات الإقراض، وإصدار الرهن العقاري ومدى تأثيره في السوق العقارية.
فالمتابع للإنفاق الحكومي للسنوات الثلاث الماضية يلاحظ أن الإنفاق الفعلي ارتفع في 2008 بنسبة أعلى من 70 في المائة عن عام 2007 ليتجاوز تريليون ريال مقابل 643 مليارا على التوالي. وبسبب تفاقم الأزمة العالمية وتراجع أسعار النفط إلى نحو 40 دولاراً للبرميل، عادت الحكومة إلى خفض الإنفاق بنسبة أعلى من 100 في المائة في 2009، ليصل الإنفاق الفعلي نحو 510 مليارات ريال. وعاد الإنفاق الحكومي بقوة في 2010 ليرتفع بنسبة 44 في المائة عند 735 مليار ريال. ويوضح التذبذب العالي في الإنفاق الحكومي مدى تأثير أسعار النفط والتزام الحكومة بالإنفاق لتفادي أي ركود محتمل للاقتصاد. وفي اعتقادي أن الحكومة نجحت في إخراج الاقتصاد السعودي من الركود الاقتصاد، وبالتالي سيكون عام 2011 عام أول انتعاش، خصوصا أن توقعات أسعار النفط مطمئنة للغاية، حيث من المتوقع أن تكون في متوسط 90 دولارا للبرميل مع بقاء إنتاج المملكة النفطي فوق ثمانية ملايين برميل في اليوم، وهو ما سيسهم بشكل كبير في بقاء الإنفاق الحكومي مستمراً بقوة لدعم النمو الاقتصادي. إلا أن هناك تحديات كبيرة أولها يتمثل في قدرة القطاع الخاص على امتصاص هذه السيولة واستيعابها بطريقة تحقق أهداف السنة الأولى من الخطة الخمسية الأخيرة. ولعل أهم أهداف الخطة الخمسية يكمن في قدرة القطاع الخاص على رفع مستوى توظيف المواطنين لخفض نسبة البطالة وتحقيق الرفاه الاقتصادي المنشود. فمعظم الناس يتساءل عن تأثير هذه الأرقام المهولة من الإنفاق الحكومي في حياتهم ودخولهم. فبدون رفع مستويات التوظيف للمواطنين، فإن كل الجهود الحكومية القوية في الإنفاق وتنظيم القطاع الخاص وإرساء تنفيذ المشاريع عليه ستذهب هباء ما لم يشعر الناس بتأثير ذلك الإنفاق. هناك من يرى تحسنا في المستوى المعيشي إذا نظر لأول عشر سنوات من الألفية الحالية، وهناك من يشعر بالتحسن الواضح في البنية التحتية والفوقية، ولكن ليس كل البنية التحتية والفوقية. فما زالت كفاءة أداء معظم البنية التحتية، وجودة الخدمات المقدمة للمواطن أقل من المأمول، خصوصاً ما يمس احتياجاته، مثل التعليم، والصحة، وتعامل البيروقراطية الحكومية التي ما زالت سلوكاً لم يشهد أي تحسن ملموس.
ويتطلع الناس إلى تحسن سوق الأسهم بصورة تعوض ما تحقق من خسائر كبيرة قي 2006. فالمدخرات التي انخفضت جراء هبوط سوق الأسهم تركت كثيرا من السلبيات، أسوؤها ارتفاع مديونية الأفراد، وهبوط ثرواتهم، وشعورهم بخيبة أمل في عدم اتخاذ الحكومة والبنوك طرقا استثنائية في تعويضهم أو ما يسهم مباشرة في تقليل خسائرهم. لذلك أصبحت آمالهم معلقة بتحسن سوق الأسهم للتعويض، وأصبحت تساؤلاتهم ما إذا كان عام 2011 هو عام الانطلاقة لسوق الأسهم. فإذا حافظت أسواق النفط على تماسكها، وشهد الاقتصاد العالمي انتعاشا واضحا، فإن سوق الأسهم ستشهد تحسنا واضحا. فإذا كانت السوق قد حققت نحو 9 في المائة في 2010، فإن 2011 سترتفع بنسبة أعلى من 9 في المائة في حال عدم حدوث أي أزمات أو مفاجآت. إن الخطأ الفادح الذي يرتكبه الكثير من الأفراد هو الدخول أو الخروج الكامل من السوق وفي أوقات متقاربة، ما يضاعف من عدم استفادتهم من السوق بالشكل المطلوب. فيجب أن ينظر إلى سوق الأسهم على أنها سوق استثمارية طويلة المدى، حيث يجب أن تبقى جزءا من المدخرات فيها؛ لأن الشركات المدرجة فيها هي شركات تنمو وتزدهر مع نمو الاقتصاد؛ ولأن مستقبل الاقتصاد السعودي يبدو واعداً، لذا فإن الشركات المدرجة فيه واعدة للغاية، وبالتالي فإن ارتفاع مدخرات المواطنين ونموها أمر متوقع بشكل كبير.
ومع انتعاش الاقتصاد وتحسن الملاءة المالية للأفراد والشركات، فإن القطاع البنكي سيرفع من مستويات الإقراض، ولكن التحدي الذي يواجه البنوك هو في نسبة نمو الإقراض في 2011، ونسبة المخصصات المطلوبة. فالبنوك وضعت مخصصات كافية للائتمان، وكذلك مخصصات لهبوط الاستثمارات في سنوات الأزمة المالية. وقد لا تضيف الكثير من المخصصات في 2011، إلا أن ما تتطلبه اتفاقيات بازل قد يسهم في تحفظ البنوك في الإقراض لمقابلة هذه المتطلبات. ومع ذلك، فإننا نتوقع أن تعود البنوك إلى الإقراض بقوة، مدعومة بالإنفاق الحكومي الاستثماري الضخم، وارتفاع مستويات السيولة، ما سيسهم في تحسن 2011 بشكل ملحوظ. إن ارتفاع السيولة لدى البنوك مهم في المرحلة القادمة، خصوصاً وأن الحكومة بصدد إصدار مزيد من التنظيمات والتشريعات التي ستسهم في تحسين البيئة الاستثمارية، وبالتالي زيادة المشاركة البنكية في الإقراض. ومن أهم تلك التشريعات والأنظمة هي أنظمة الرهن العقاري.
إن أنظمة الرهن العقاري هي الأنظمة التي يترقب صدورها أفراد المجتمع بكل أطيافه وشرائحه. وتعيد هذه الأنظمة إلى الأذهان ترقب الناس وتلهفهم لصدور أنظمة سوق الأسهم في النصف الأول من العقد الحالي. فإذا كانت التشريعات الخاصة بسوق الأسهم قد خيبت آمال الكثير من الناس؛ لأن البعض يرى أنها كانت عاملا في انهيار السوق، فإن صدور أنظمة الرهن العقاري ظلت محل تساؤل كبير فيما إذا كانت ستسهم في ارتفاع أو انهيار السوق العقارية. لذلك فإن صدور هذه الأنظمة يمثل تحديا كبيرا في عام 2011. فلم يعد أمام الحكومة ما يعوق صدورها، خصوصاً أن مناقشة تلك الأنظمة قد أخذت سنوات طويلة، وأن آخر التطورات تشير إلى إغلاق نقاط الخلاف في تلك الأنظمة. ولكن الأهم والتحدي الأكبر يكمن في جاهزية القطاعات الحكومية لتطبيقها، وإقبال شركات التمويل والأفراد على الاستفادة منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي