Author

«دعاوى التعويض عن قرارات الجهة الإدارية»

|
الحمد لله الموفق والهادي إلى الطريق القويم، وبعد فإن دعاوى التعويض عن القرارات الإدارية تُعد من التوجه الحديث الذي يحتاج إلى مناقشة، وحوار علمي من ذوي الاختصاص من أجل طرح أفكار وآراء سديدة تساعد على حسن تطبيق النظام بدقة متناهية، وعزيمة صادقة تتسم بالحياد، والتجرد والاستقلالية، وهو ما تغياه واضع النظام (المشرع الوضعي)، وهذا يحقق أعمال النظام، وعدم تعطيل أي نص من نصوصه، وعلى أساس القاعدة العامة التي تقضي بأن (إعمال النص أولى من إهماله). والنظام الجديد نص صراحة على اختصاص ديوان المظالم (المحاكم الإدارية) بالفصل في دعاوى التعويض عن قرارات الجهة الإدارية، ولم يقتصر على دعاوى التعويض عن أعمالها فقط، وهذا فارق جوهري تميز به النظام الجديد مما يُعد نوعاً من التطوير الذي ترتب على تحديث النظام، فضلا عن وضع عبارة (تختص المحاكم الإدارية..)، ولم يقل (يختص ديوان المظالم..)، كما نصت الفقرة (1 ) من المادة (8) من النظام السابق، فضلا عن إيراد العبارة الصحيحة وهي (الجهة الإدارية)، ولم تورد كلمة (الحكومة)، كما في النظام السابق، وذلك لأن الفرق كبير جدا بين (الحكومة)، و(الجهة الإدارية)، واكتفي بذكر أهم الفوارق، وهو أن قرارات الحكومة، ونعني بها قرارات مجلس الوزراء، والأوامر الملكية، والأوامر السامية التي تتضمن أعمال وتدابير تقتضيها المصلحة العامة سواء كانت أمنية داخلية وخارجية، أو أعمالا حربية، أو علاقات سياسية، وبشكل عام ما يتصل بالسياسة العليا للدولة، وهي أعمال صادرة من الحكومة باعتبارها سلطة حكم، وليست سلطة إدارة، والتي نَُص على أنه لا يجوز رفع دعاوى قضائية ضدها في بداية المادة (14) من النظام الجديد ذاته، وهذا يُعد تصحيحاً لما حصل من خـطأ في صيـاغة النظام الســابق عنـدما نص في الفقرة (جـ) أن ديوان المظـالم يختص بالفصــــل في (الدعاوى الموجهة من ذوي الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوي الشخصية العامة المستقلة بسبب أعمالها)، ولوجد هذا الخطأ في الصياغة، فإن العمل سار على فهم أن المقصود بكلمة (الحكومة) هي الجهة الإدارية، ولأن المادة (9) من النظام السابق عام 1402هـ قد نصت صراحة على أنه لا يجوز لديوان المظالم النظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، والمقصود بها أعمال الحكومة. والنظام الجديد وسع ولاية المحاكم الإدارية بديوان المظالم لتشمل النظر في دعاوى التعويض عن القرارات الإدارية المشروعة، وغير المشروعة التي تُلحق الأضرار بالأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، ويجب أن يستند رافع دعوى التعويض إلى حق اعتدى عليه فعلا، وذلك بوجود علاقة سببية بين القرار الصادر فعلا، والضرر الحاصل (النتيجة)، وذلك لأن دعوى التعويض دعوى شخصية تهدف إلى حماية المراكز الفردية، والحقوق الشخصية. (1) والجدير بالذكر أن دعاوى التعويض عن القرارات الإدارية لا تتقيد بالميعاد القصير مثل دعوى إلغاء القرارات الإدارية، بل يمكن أن يرفعها المتضرر متى أدرك أن الضرر قد أصابه من القرار الإداري، والمهم أن يكون قبل ميعاد سقوط حق رفع الدعوى، وهو مضي خمس سنوات من حصول واقعة الضرر من القرار الإداري، ولقد علمت أن مدة سقوط حق رفع الدعوى قد جعلت عشر سنوات في لائحة قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم التي أعدت ولم تصدر بعد (2). وبهذا التحديث لنظام ديوان المظالم باعتباره قضاء إداريا، فقد أضاف دعوى التعويض عن القرارات الإدارية، والتي تُعد دعوى أصلية، وليست دعوى تبعية ملازمة لدعوى إلغاء القرارات الإدارية المعيبة، والتي توصف بعدم المشروعية، وهي كل القرارات الإدارية المشوبة بالخطأ، أو سوء استعمال السلطة، أو استغلال النفوذ، وغير ذلك من العيوب، ومن مزايا هذه الإضافة لدعوى التعويض عن القرارات أنها يمكن أن ترفع ضد الجهة الإدارية ولو كان قرارها مشروعاً ـــ كما تقدم ذكره ـــ متى ترتب عليه ضرر بالمدعي. وأخيرا فإنه يمكن ـــ أيضا ــــ التعويض عن القرارات الضمنية (السالبة) التي نص عليها في نهاية الفقرة (ب) من المادة الثالثة عشرة من النظام الجديد والتي قضت بأنه (... يُعد في حكم القرار الإداري رفض جهة الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقا للأنظمة واللوائح)، ومثل هذا النص ورد في الفقرة (ب) من المادة الثامنة من نظام الديوان عام 1402هـ، ولذا نورد مثالا على ما وصف بالقرار الضمني أو السالب في حكم صدر من ديوان المظالم، وهو الحكم رقم (82/ت/3 لعام 1411هـ) الصادر في دعوى رفعت من مدعية تطالب بدفع تعويض عن أرضها، وقد رفضت الدعوى في الحكم المشار إلى رقمه، وبحيثيات (أسباب) نورد مختصرا مما جاء في الحكم بما نصه: (...دعوى المدعية بإلزام الإدارة بدفع تعويض عن أرضها كُيفت بأنها طلب بإلغاء القرار الضمني الصادر من جهة الإدارة بالامتناع عن إصدار قرار بنزع ملكية أرض المدعية، إذ لا يمكن المطالبة بالتعويض إلا بناء على هذا القرار، وقد رد على الدعوى في الحيثيات أنه لم يثبت من الأوراق أن الجهة الإدارية المدعى عليها قد استولت على الأرض، أو كتبت رسميا للمدعية بذلك، أو طلبت منها كف يدها عن الأرض، وبالتالي لا محل لإلزام الإدارة بإصدار قرار نزع الملكية، ولا يغير من ذلك ما استندت إليه المدعية من صدور المكاتبات والخطابات الداخلية بين جهات الإدارة المختلفة التي تُعبر عن رغبتها في الحصول على الأرض، وطلب توفير المبالغ اللازمة لذلك...، فهذه كلها إجراءات تمهيدية لا تلزم الجهة الإدارية، ولا تنشئ حق للمدعية لأنها لم تبلغ بها، ولم يطلب كف يدها عن الأرض، وبالتالي لا أحقية للمدعية في التعويض عن حجز الأرض لعدة سنوات، حيث لم تقدم ما يثبت أن جهة الإدارة أخطرتها رسميا بعدم التصرف في الأرض حتى يمكن القول بتضررها من حبس الأرض، وحرمانها من الانتفاع بها), وإن ما ورد في أسباب الحكم هو رد واضح على عدم وجود قرار ضمني برفض إصدار قرار نزع الملكية لأرض المدعية، فضلا عن نفي كف يد المدعية عن أرضها، أو أن الإدارة أخطرتها بعدم التصرف في الأرض مما يلحقها بضرر، وقد انتهت الدائرة القضائية في الحكم بعدم تضررها من حبس الأرض، وحرمان مالكتها من الانتفاع بها، وهذا الأخير يعني نفي تضرر المدعية من عمل من أعمال الإدارة كحبس الأرض، وحرمان المدعية من الانتفاع منها، وهذا ما سأتكلم عنه في المقال الثالث، باعتبار أن قضايا التعويض عن أعمال الجهة الإدارية يُعد جانباً من جوانب دعاوى التعويض، وأسأل الله أن يوفقني لكتابة ما يضيف معلومات معرفية للقارئ الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ______________________ هوامش: 1 ـ كتاب (القضاء الإداري ـــ دراسة مقارنة ) د. محمود محمد حافظ ط ''4 '' 1967 م ص (395 ). 2 ـ وهذا ما سمعته شفوياً من فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز المتيهي أثناء إلقاء محاضرة تضمنتها ورقة عمل علمية في حلقة نقاش عقدت في جامعة الملك سعود بتاريخ 1431/12/1هـ الموافق 2010/11/7م.
إنشرها