علي أكبر صالحي.. تقية دبلوماسية لحشد دولي لدعم إيران

في لقاء ثنائي ضم منوشهر متقي مع وزير خارجية عربي، انتقد الوزير موقف طهران وتدخلها السلبي في الأمن الوطني لبلده، وقدم آنذاك لوزير الخارجية الإيراني (السابق) قرائن ودلائل مادية لهذا التدخل، وكانت عبارة عن أوراق رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، جوازات سفر وحوالات مالية وقطع أسلحة إيرانية الصنع، لم يجد متقي حينها جوابا، إلا بممارسة الصراحة المفجعة، قائلا: للأسف هناك مؤسسات تدار من خارج وزارة الخارجية تقوم بهذا العمل، وإن هذه المؤسسات تستغل وزارة الخارجية الإيرانية كغطاء لها، وربما كان يقصد الحرس الثوري الإيراني وممارسته التقية عبر مؤسسات خدماتية إنسانية ومؤسسات اقتصادية، ويضاعف هذا الهاجس ما جاء عليه تقرير المركز الأوروبي للاستخبارات من أن الحرس الثوري يمارس أعماله في الخليج عبر الشركات الوهمية والاستثمارات الشخصية.
اعتراف متقي هذا ليس اعترافا فقط، بل تعبير عن خلافات كبيرة بين وزير الخارجية ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد، وإمعانا في الإساءة لمتقي عين الرئيس الإيراني مبعوثين خاصين له لدول العالم، وهو بهذا الإجراء يتجاوز متقي باعتباره المسؤول الأول للدبلوماسية الإيرانية، ونحن ندرك أن كثيرا من الأوراق الإيرانية الخارجية تدار بعيدا عن البعثات الدبلوماسية الإيرانية، لكن هذه البعثات أيضا يسيطر عليها كادر كبير يأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني، فالحرس هو اختصار للدولة ومؤسساتها الأمنية والسياسية، وله مكانة مركزية في السياسة الإيرانية، وأحمدي نجاد من أبرز الناشطين السابقين في الحرس الثوري ومقرب من المرشد الأعلى علي خامئني.
ولم يتوقف نجاد عند تعيين المبعوثين ومحاولته تهميش متقي، ومخالفة بعض التفاهمات الخارجية، وإرسال مبعوثيه لترتيب لقاءات وزيارات الرئيس دون علم الخارجية بكامل التفصيلات، ناهيك عن الاتصال المباشر بين الرئاسة الإيرانية والبعثات الدبلوماسية دون المرور بوزارة الخارجية، ويوضح هذا السلوك وجود موقف من متقي، ويرى البعض أن من أسباب هذا الخلاف الرئيسة علاقة متقي بالمرشد الأعلى علي خامئني، حيث درج متقي على وضع المرشد في تصورات السياسة الخارجية الإيرانية، تفاعلاتها وأزماتها الخارجية، وكان يستعين بالمرشد أحيانا لفرملة نزعات نجاد السياسية وغير الدبلوماسية، ناهيك عن إطلاع متقي لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني على هذه التوجهات، ما جعلته شخصية تبدو أكثر احتراما وتعاونا مع البرلمان، في وقت ترشح معلومات عن خلافات كبيرة بين البرلمان والرئاسة الإيرانية كانت نهايتها إحالة نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي للقضاء بعد عشرة أيام من إقالة نجاد لوزير خارجيته السابق، وإحالة رحيمي للقضاء باعتباره متورطا بعمليات فساد واختلاس، وكان أعضاء في البرلمان قد وجهوا تهما سابقة لرحيمي بضلوعه بفساد مالي، ويرى البعض أن تصفية الحسابات بدأت تتضح بين أجنحة النظام، وهي تشير إلى حالة من التآكل السياسي سببه تراكمات من الأخطاء السياسية القاتلة ليس أقلها الانتخابات الرئاسية الأخيرة والاتهام بعدم شرعية الرئيس، وشعور الإيرانيين بعدم جدوى التعنت الإيراني بمفاوضات الملف النووي.
الذكاء والمهارات المصطنعة
المتابع للسياسة الإيرانية يدرك حدود الذكاء المهني الإيراني وتحديدا في سياستها الخارجية وقدرتها على إطالة أمد مفاوضاتها النووية، ناهيك عن وجود تعامل غربي أمريكي خاص مع طهران فيه دبلوماسية طويلة المدى أيضا، وتعكس هذه الحالة غير المفهومة التصريحات الصاخبة والحادة للرئيس الإيراني وسلوكه السياسي، التي تظهر أحيانا وكأنها غير منضبطة أو عقلانية أو غير دبلوماسية، لكنها محتملة من قبل الغرب، غير أنها في الآونة الأخيرة أصبحت موضة إيرانية بامتياز، فباتت تصريحات الرئيس مختلفة أيضا عن تصريحات وزير الخارجية، وتصريحات وزير الدفاع مختلفة عن الآخرين، لكن حتما هناك ضابط إيقاع لهذه التقلبات، وربما هذا من طبيعة السياسات الإيرانية أيضا، تهدف من خلالها إلى تعزيز وجودها وتأثيرها ونفوذها الإقليمي عبر دوائر ومؤسسات مختلفة وإن تقاطعت مع الأمن القومي للدول المشكلة للإقليم.
في ظل هذا التضارب في السلوك السياسي الإيراني يخرج وزير خارجيتها الجديد علي أكبر صالحي ليؤكد أن من أهم أولويات عمله هو تطوير العلاقات مع تركيا والسعودية لتصل إلى مرتبة متميزة، لكن قد يظهر علينا غدا رئيس لجنة الخارجية والأمن في البرلمان الإيراني ليؤكد حقوق إيران في البحرين والجزر الإماراتية ويهدد أمن دول الخليج، وهذه التناقضات ما يؤكد عليها عطاء مهاجراني في مقالته في الشرق الأوسط 20/12/2010 وعلى لسان السفير الإسرائيلي في طهران (1973-1978) بقوله ''عندما يتحدث أحد الإيرانيين معك تكون أفكاره في اتجاه معاكس لكلامه ووعوده، ويؤكد مهاجراني أن أحمدي نجاد هو المثال الأبرز لهذا الوصف إذ لا يمكن التنبؤ وتقييم ما يمكن أن يقوم به غدا.
لكن لا يخلو الأمر أيضا من ذكاء مهني، فتغيير رئيس الدبلوماسية بهذه الصورة، وهو على رأس عمله، وهو في ضيافة دولة أخرى، هو إهانة بالغة دعت متقي للإفصاح عن بعض أسبابها كخلافه ونجاد ومستشاريه وتجاوزه، ما دعا أيضا متقي إلى مقاطعة حفل توديعه وحفل تنصيب صالحي، الأمر الذي دفع علي أكبر جوانفكر المستشار الصحافي للرئيس إلى انتقاد مرحلة متقي بقوله إن متقي أخفق في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، وعزا النجاحات المتحققة للرئيس نجاد لا إلى وزارة الخارجية.
لكن الحديث عن هذه الخلافات في أروقة البيت السياسي الإيراني هو أيضا جزء من عمليات التوظيف السياسي، فعندما تتعقد الأمور ولا يمكن المضي فيها قدما بنفس الخطاب تبتدع طهران موضوع الخلافات الداخلية بهدف التغيير، وبهدف طرح منتج سياسي خارجي جديد، فلا يعقل مثلا أن يخرج متقي ليقول إن من أهم أولويات سياسة الخارجية الإيرانية تطوير العلاقات مع السعودية وتركيا، لكنها تكون ممكنة مع صالحي، وصالحي متحدث جيد للغة العربية وأمضى فترة في جدة وبيروت وأمريكا، ولكن نقله من مسؤول للملف النووي إلى وزارة الخارجية الإيرانية يعني أن الملف النووي الإيراني سيشهد أيضا مفاوضات وترتيبات سياسية جديدة، وقد يكون ذلك جزءا من عملية ترتيب وإدارة إيران لعلاقاتها مع العالم لمرحلة جديدة تتطلب تعاملا دبلوماسيا جديدا.
مقاربات سياسية وأمنية
ما الجديد في البيئة الإيرانية الخارجية الذي يستدعي حدوث تغيير إيجابي في خطاب السياسة الخارجية الإيرانية؟ وهل تعبيرات صالحي تعبيرات حقيقية، أم هي للاستهلاك السياسي وتعبير عن مرحلة جديدة ستتبنى فيها طهران التقارب مع العالم العربي والإسلامي بوسائل دبلوماسية جديدة، أم أن النقشبندية التركية الجديدة استطاعت أن تدخل عوالم الأرواح السياسية الإيرانية وتروضها باتجاه التعاون بديلا عن سياسات التوتر الأمني مع الخليج، وهل أن طهران تقرأ المتغيرات الأمريكية الجديدة أيضا خاصة بعد سيطرة الجمهوريين على الكونجرس وحديث عن صفقة مع الديمقراطيين حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تحديدا، في ظل طروحات وأفكار أمريكية حول إمكانية بناء منظومة للأمن الإقليمي.
موقع ديبكا فايل الاستخباري الإسرائيلي قال إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعتمد مقاربة جديدة تعطي تركيا دورا رئيسا في تسوية قضايا المنطقة, وأنقرة دخلت بقوة على الملف النووي الإيراني، وكذلك هناك محاولة تركية لاستقطاب واستمالة (الشيعة الأتراك) لصالح العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة في حال حدوث متغيرات جديدة، خاصة أن إسرائيل ساعية لعرقلة إمكانية انتخاب العدالة لدورة جديدة قادمة، عبر دعم بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لحزب الشعب التركي، وأن رئيس الحزب كمال قليتشدار أوغلو عبر عن استعدادات حزبه لخوض الانتخابات البرلمانية 2011، مؤكدا قدرة الحزب على المنافسة.
وأيضا دعم تل أبيب لاستقلال ''كردستان العراق''، وهذا مؤثر أمني جديد على حكومة أردوغان، ناهيك عن قيام رجال أعمال إسرائيليين بشراء شركات كبرى في اليونان والمساهمة في حل أزمتها الاقتصادية وما تخشاه تركيا هو مضاعفة تل أبيب لمجمل عمليات التحكم والتوظيف لمختلف تناقضات الجيوبولتيك التركي. وعلى الناحية الأخرى تكشف ديبكا فايل أيضا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرر منع انطلاق الدورة الخامسة للمفاوضات مع طهران (5+1) وتخفيف الضغط العسكري عليها، وذلك لإعطاء إشارة نحوها بأنه هناك مجال للتقارب والتفاهم السياسي، وقد اتضح الموقف الأمريكي عمليا من نتائج مفاوضات القوى والكتل العراقية والضغط الكبير الذي مارسته أمريكا على رئيس كتلة العراقية إياد علاوي، لصالح نوري المالكي الذي تعتبره إيران رجلها القوى في العراق، وكذلك قرار الرئيس أوباما نقل قيادة الحاملة ترومان من القيادة البحرية الأمريكية الخامسة المسؤولة عن العمليات العسكرية في الخليج إلى القيادة السادسة المسؤولة عن العمليات البحرية والجوية الأمريكية في البحر المتوسط والبحر الأسود، وبذلك يكون أوباما قد ألغى قراره قبل شهر ونيف والقاضي بزيادة الضغط العسكري على إيران مع اقتراب موعد المفاوضات النووية.
ما الذي سيفعله صالحي؟
تصريح صالحي الداعي لتطوير العلاقات مع السعودية وتركيا ينبع من بين عدة احتمالات، ولعل المعطيات الثانوية تفيد بأن الرجل متحدث جيد للغة العربية، ويقال إنه من مواليد العراق 7/7/1949، ونشأ فيها، وهو من أصول إيرانية، وهو من بين العوائل التي طردت في السبعينيات من العراق، وقد أكمل تعليمه الجامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من ''معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا'' في الولايات المتحدة في عام 1977 أثناء مشروع تاريخي بين الحكومة الإيرانية زمن الشاه والمعهد، لتدريب الجيل الأول من العلماء النوويين الإيرانيين، وهو بذلك معاصر لتجربتين سياسيتين مختلفتين، وكان تعليمه نتاج للتجربة السياسية الأولى.
وبعد عمله مديرا لجامعة شريف للتكنولوجيا بين العامين 1982 و1985، والعامين 1989 و1993، وعضويته في الأكاديمية العلمية في إيران، عيّن صالحي مندوبا دائما لإيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قبل الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في آذار (مارس) 1997، وبقي في منصبه حتى 22 آب (أغسطس) 2005. وشغل صالحي منصب نائب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بين عامي 2007 و2009، وفي تموز 2009 عيّن من قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد مديرا للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية.
ولهذا فإن صالحي متخصص في المجال النووي والهندسي، وله معرفة بالبيئة السياسية العربية وتحديدا السعودية ولبنان وسورية، وله معرفة بأمريكا، فهو متحدث للغة الإنجليزية أيضا.
العلاقة المتميزة مع السعودية
يقول صالحي إنه ساع لعلاقات مع العالم الإسلامي وعلاقة مميزة مع السعودية وأيضا مع تركيا، وهذا إدراك متأخر لواقع جيوبولتيكي كانت إيران تحاول أن تتجاوزه، وهنا يطرح سؤال هل تتغير السياسات بالنسبة للدول بتغير الأشخاص خاصة وزراء الخارجية، وهل كان تغيير منوشهر متقي واستبداله بصالحي يعني تغيرا أيضا في توجهات السياسة الإيرانية؟ وهل أدركت إيران أن السعودية بعد هذه السنوات تحتاج إلى أن تكون العلاقات معها ضمن مرتبة متميزة؟ وهل أن صالحي بحكم عمله السابق نائبا للأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة بين عامي 2007-2009 جعله أكثر إدراكا وتفهما لأهمية العالم الإسلامي بالنسبة لإيران، ولأهمية العلاقة مع السعودية؟ وهل التوازن في سياسات المملكة إقليميا وعالميا جعل إيران أكثر قناعة بحكمة المملكة وعقلانيتها، أم ما الجديد الذي سيؤدي إلى حدوث التغيير؟
بالحكم على السلوكيات السابقة، فإن السلوك السياسي الإيراني ليس مطمئنا، ولا يمكن التنبؤ به أيضا ولا يمكن التعويل عليه رغم أهمية إيران ومكانتها الإقليمية والإسلامية، وذلك لعدة أسباب ومؤشرات لا يمكن تجاوزها بتصريحات مهما قيل عنها إنها طيبة، حتى لو حازت على الإعجاب والتقدير والاحترام، لكن المطلوب عمله أن يكون صالحي قد امتلك فعلا إرادة سياسية حقيقية للارتقاء بالعلاقات الإيرانية السعودية إلى مستويات متميزة، وهذا يتطلب جهدا غير عادي وربما استثنائيا خاصة أن السعودية أول من وقعت اتفاقا أمنيا شاملا مع إيران، وهو ما عناه حقيقة الدكتور محمود واعظي في دراسته المميزة (العلاقات الإيرانية السعودية في إطار الثقة المتبادلة)، وسؤالنا كيف يمكن بناء هذه الثقة وأعمدتها بعد سنوات من التخريب المقصود من قبل قيادات إيرانية، رغم الإيجابية الكبيرة التي تمتلكها المملكة وليس أوضحها رد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في جولته الأخيرة للمنطقة وترويجه للخيار العسكري ضد إيران، وقبيل وصوله الرياض بساعات قليلة قال الفيصل: خلافاتنا مع إيران لا تصل لمرتبة دعم الخيار العسكري، والمملكة لن تكون طرفا في الحرب على إيران، فما زال هناك مجالات كبيرة للعمل الدبلوماسي.
الموقف السعودي ربما كان من أكثر المواقف المساهمة في إبطاء الموقف الأمريكي للعمل العسكري ضد إيران، رغم ترويج بعض أعضاء الإدارة الأمريكية في حينه مشروع فلسطين مقابل إيران، لكن ماذا عن مواقف إيران المؤثرة في الأمن الخليجي والسعودي؟ وهل فهمت إيران الرغبة السعودية في تعزيز الأمن الإقليمي والأمن الخليجي على نحو مخالف؟ يبدو ذلك، من خلال استقراء سلوك بعض الشخصيات الإيرانية التي أطلقت تصريحات تمس العلاقات بين البلدين، وعبرت في حينها عن رغبات إيرانية مدفونة في ممارسة دور ونفوذ إقليمي ترفضه دول المنطقة، ناهيك عن تدخلاتها في الأمن القومي العربي في لبنان وغزة واليمن ومصر والكويت والبحرين وقضايا التجسس والمخدرات، ناهيك عن دورها الكبير في العراق.
تعيين صالحي بديلا عن متقي كان محصلة لسلسلة من الإجراءات المعلنة منذ أشهر، والغريب ليس التعيين، إنما التوقيت والطريقة التي تم بها، ويبدو أن التغيير سببه قراءة إيرانية لحركة المتغيرات الأمريكية التي ذكرناها آنفا، وأيضا قناعة طهران بأن دول الغرب اقتنعت أخيرا أن سياسة الضغوط لن تجدي نفعا وهو ما أكده أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي بقوله: إن عودة الدول الست إلى المفاوضات تعني إقرارا بعدم جدوى سياسة الضغوط على طهران، بينما ترى أوساط دبلوماسية أن هذه الخطوة سببها الحقيقي نصائح خارجية لإيران بضرورة تغيير منهجيتها السياسية، وهي بذلك تعبير عن مقتضيات داخلية فرضتها مجموعة من العوامل الخارجية، وأيضا مجموعة من المخاوف والضغوط الداخلية خاصة بعد إعلان كردستان العراق حق تقرير المصير والحديث عن إعلان يقوده إقليم بلوشستان إيران وباكستان للإعلان عن حقه في تقرير المصير والانفصال، وأن التغيير هدفه إثبات إيران لحسن نيتها وقدرتها على التعاون والمجتمع الدولي في جولة المفاوضات القادمة، ولهذا تحتاج إيران إلى ترطيب الأجواء الإقليمية وبخاصة السعودية، وتركيا التي تشهد علاقاتها مع طهران تطورا إيجابيا ومنافسة أيضا في العراق وفلسطين ولبنان، ضمن الهدف التركي الأمريكي للحد من الدور الإيراني وملء الفراغ الحاصل في المنطقة.
إقالة متقي فرضتها عوامل ومقتضيات داخلية وتراكمات شخصية ومهنية، لكنها حتما لم تكن لولا وجود ضوء أخضر من المرشد الأعلى علي خامئني لاستئثاره وإشرافه المباشر على المؤسسات السيادة وبخاصة الخارجية والأمن والثقافة والإرشاد، وإذا كان التغيير بمباركة من خامئني فإن تصريحات صالحي أيضا تكون انعكاسا لتصورات سياسية استقاها صالحي من الرئيس نجاد ومن المرشد ذاته، وهذا يعني أن التغيير قرار سياسي بأعلى المستويات، وقد أضعفت فرص بقاء متقي في موقعه عوامل وجدها نجاد مهمة وهي فشله في الحيلولة دون صدور إدانة من الأمم المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران وفشله في الحصول على مقعد لإيران في لجنة الأمم المتحدة لحقوق المرأة وتفجر قضية تهريب أسلحة إيرانية إلى النيجر وما ترتب عليها من تداعيات سياسية معروفة، حيث ذهب متقي إلى النيجر لاحتواء الأزمة والحد من الخسائر، غير أنه فشل في مهمته واعتبار اليونسكو بأن إيران غير مؤهلة لاستضافة المؤتمر الدولي للفلسفة.
أما فرص نجاح وتعيين صالحي تتمثل في الكفاءة والمهنية، وإدارته للملف النووي، وتفاهمه والرئيس نجاد ورغبة الأخير في السيطرة الكاملة على الخارجية والملف النووي، ما يعني أن القرارات بدأت دائرتها تضيق بين الرئيس وخامئني وتنفيذها يتم عبر وزارة الخارجية، وعليه تظهر إقالة متقي وكأن الرئيس نجاد قد منحه فرصة كافية للنجاح، خمس سنوات منذ آب (أغسطس) 2005، غير أنه أخفق، ما يستدعي تغييره، وأيضا كي تكون سببا لتعديل السياسة الخارجية الإيرانية أيضا، لكن وحسب ما استهلينا به هذا المقال فإن بعض الآراء الواردة من طهران تفيد بأن متقي ضاق ذرعا بتدخلات أحمدي نجاد لدرجة التهميش، وأكثرها انزعاج متقي من توريط جهاز وزارة الخارجية الإيرانية بتدخلات لبعض المؤسسات الإيرانية التابعة للحرس الثوري وتحميل مسؤوليتها لوزارة الخارجية، وبخاصة الأسلحة والوثائق الذي عثرت عليها السلطات اليمنية وقدمتها لمتقي، وأيضا أزمة النيجر وتداعياتها والتي كان خلفها الحرس الثوري الإيراني، وعدم رغبة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في إطلاع الخارجية الإيرانية على تفصيلات مباحثاتها الخارجية للبرلمان الإيراني والذي يشهد هو الآخر علاقة مناكفة مع الرئيس نجاد.
ماذا بوسع صالحي أن يفعل في ظل صراع الأجنحة الإيرانية، في ظل المتغيرات والإشارات الخارجية؟ كل المؤشرات تفيد بأن صالحي سيعمل على منح السياسة الخارجية الإيرانية مزيدا من الاعتدال والتصالح السياسي مع الإقليم، وأيضا رغبتها في تعزيز إمكانية تقديم التنازلات النووية، كما أشار موقع ديكا فايل الاستخباري، ودخول تركيا بدورها الجديد على خط المفاوضات النووية، ولكون صالحي ملما بتفصيلات الملف النووي ستجعله قادرا على إدارة العلاقات الخارجية بنجاح، وسيكون الملف النووي جوهر حركة السياسة الخارجية الإيرانية ومحور اهتمامها الإعلامي، لكن مصادر غربية تفيد بأن المركزية الجديدة تعني أن الرئيس نجاد يرغب أن يظهر بالرجل صاحب الكلمة الفصل في إيران عبر استحواذه على القرار الخاص بالملف النووي، وتقوية مركزه السياسي من خلاله، والبدء مجددا بسلسلة حوارات عقيمة مع الغرب، لكن بدبلوماسية جديدة، وبالطبع هذه الدبلوماسية تحتاج إلى مكياج لعلاقات إقليمية أيضا كي تبدو واقعية وحقيقية، غير أن العسل النجادي لن يستمر كثيرا، فالأجنحة الإيرانية لن تترك حصانه وحيدا وبخاصة البرلمان والجيش والمرشد، ناهيك عن الحراك الداخلي والضغط الخارجي، وعليه نتساءل عن جدوى التصريحات ونحن ندرك أن الارتقاء بالعلاقات مع السعودية لمرتبة متميزة يحتاج إلى إجراءات عملية لا إلى تصريحات دبلوماسية، ولنرى ماذا بوسعه أن يعمل، ولعل لديه فعلا ما يقول؟ غير أن تجربتنا وقراءتنا لإيران تبين أن سياساتها ما زالت عند حدود دائرة الدوران حول المرشد اقترابا وابتعادا وقرارا، فهو شخصية مركزية في القرار السياسي ولا يمكن لقرار مثل قرار إقالة متقي أو تصريحات صالحي إلا وعرضت عليه.
وعلى مختلف الأحوال إيران مقبلة داخليا وخارجيا على تصدعات كبيرة، وإنها في حاجة ماسة إلى تفعيل أدواتها الدبلوماسية بنجاح، استعدادا للجولة الحاسمة من المفاوضات المقرر عقدها في إسطنبول في كانون الثاني (يناير) القادم، ولهذا سيعمل صالحي على حشد الدعم الإقليمي والعالمي لصالح البرنامج النووي، ولتحقيق هذا الهدف لا تمانع طهران هذه المرة من خطب ود المملكة، وبيان حرصها على علاقات مميزة معها!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي