ما الذي يراد بالأقليات المسلمة في أوروبا؟
لا أعتقد أن اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، وكذلك بعض وسائل الإعلام في تلك الدول، بل وبعض الحكومات الأوروبية، يسعدها أمر كما يسعدها أن يتهم، أو يدان أحد أبناء الجاليات المسلمة في تلك الدول بعمل إرهابي، فمثل هذه الأعمال توفر مادة جيدة ينطلق منها اليمين المتطرف في حربه ضد الأقليات المسلمة، وفي تعزيز محاولاته لطرد تلك الجاليات التي عاشت ردحاً من الزمن تنعم بما ينعم به مواطنو تلك الدول من أمن وحرية ورغد عيش، كما أن بعض الحكومات الغربية التي اتخذت إجراءات هدفها التضييق على الوجود الإسلامي فيها، ووجدت معارضة شعبية، ستجد في مثل هذه الأعمال الإرهابية متنفساً يدفع إلى اتخاذ مزيد من الخطوات، كما سيخفف من شعور مواطنيها بالذنب تجاه ما يحدث من إجراءات ضد المسلمين هناك، فالشعور بالذنب الذي يشعر به البعض عندما يتخذ إجراء موجه للجاليات المسلمة سينزاح بعد أن أوجد أحد أبناء الجالية السبب المقنع للشعوب المترددة أمام ما تتخذه حكوماتها من إجراءات.
مأساة الأقليات المسلمة في الغرب تنطلق من النزعة الحزبية وتسييس الإسلام الذي أصبح بارزاً في مجتمع الأقليات، والذي أدى إلى غلبة الولاء الحزبي على الولاء للإسلام، كما تسبب في مزيد من النفور بين أبناء الجالية أنفسهم، وبينهم وبين المجتمعات التي يعيشون فيها، ونتج عن هذا ما نراه من تصرفات بعض أبناء الجالية المسلمة ممن تلبستهم بعض الأفكار المنحرفة التي ارتد أثرها على ملايين المسلمين، وهذه المأساة ليست وليدة اليوم بل مضى عليها قرابة عقدين من الزمن، منذ خرج بعض من تبنوا أطروحات تكفيرية، وسعوا لإثارة أبناء الجاليات المسلمة ضد مجتمعاتهم.
ما حدث في العاصمة السويدية ستوكهولم من تفجير إرهابي، دليل على أن استهداف الأقليات المسلمة، لا يقتصر على جماعات أوروبية متطرفة فحسب، بل ومن قبل بعض الجماعات التي لا يسعدها أن يعيش المسلمون هناك بأمن وسلام، وهذا الاستهداف يلتقي في النتيجة مع استهداف آخر من قبل بعض الغربيين من سياسيين ومفكرين ممن يضعون الإرهاب والإسلام في قفص واحد، بل ويحتفون بكل من يهاجم الإسلام ورموزه وقيمه ويعلون من شأنه.
إن وضع الأقليات المسلمة في الغرب مرشح لمزيد من التأزيم لهذه الأسباب، وبسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها بعض الدول الأوروبية، وانعكس تأثيرها السلبي على الدول الأخرى، مما جعل شعوب تلك الدول تنظر إلى الأقليات المسلمة على أنها منافس في مجالات العمل يجب التخلص منه، رغم أن غالبية أبناء هذه الأقليات يعملون في مهن متواضعة ومتدنية الأجور.
إن معاناة أجزاء من عالمنا الإسلامي من تدخلات وسياسات الغرب لا ينبغي أن يدفع ثمنها أبناء الجاليات المسلمة، فنضيف ضحية أخرى إلى ضحايا كثير في دول إسلامية عديدة.