مختصون: نقص الوعي بالمصرفية الإسلامية في الغرب سببه تقصير القائمين عليها
تفاعل العديد من المتخصصين في المصرفية الإسلامية من مختلف أنحاء العالم مع التقرير الذي نشرته ''الاقتصادية'' في 23 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حول جهل المواطن الغربي بحقيقة المنتجات المالية الإسلامية ورأوا أن سبب هذا الجهل يعود إلى تقصير القائمين على المصرفية الإسلامية أنفسهم، كما اقترحوا العديد من الوسائل لرفع الوعي لدى المواطن الغربي وخاصة غير المسلمين منهم.
الأسباب
بداية يقول غريب العربي رئيس الهيئة الإسلامية الأوروبية في سويسرا، لم نسمع بمصارف إسلامية في سويسرا، وإنما سمعنا بوجودها في فرنسا وبريطانيا، وذلك عن طريق بعض القنوات العربية وليس عن طريق قنوات أوروبية
وأضاف خلال ممارستي للدعوة ومع كثرة تنقلي في أوروبا لم أر دعاية واحدة للمصارف الإسلامية ولا تعريفا لا باللغة الفرنسية ولا الألمانية ولا الإيطالية.
وقال: من أين يتعرف المواطن الغربي على المصرفية الإسلامية إذا لم تكن هناك أي دعاية في قنواتهم ولا حتى منشورات توزع أو لقاءات تعريفية؟
وأيد ذلك الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات المصرفية الإسلامية بقوله فيما يتعلق بالغربيين فإن النظام المالي الإسلامي لا يرون أنه نظاما يخاطبهم فهو نظام خاص بالمسلمين، ورغبة البعض في معرفة عن بعض القضايا العامة ناشئ عن حب الاطلاع العام وليس رغبة في الاستفادة منه، والسبب في ذلك أن المنتجات المتوافقة مع الشريعة روج لها على أنها منتجات إسلامية والمستمع للوهلة الأولى يعتقد أنها تخص المسلمين فقط لا غيرهم، أما بالنسبة للمسلمين فذلك يكمن في عدم وجود جهود كبيرة من مختلف المؤسسات سواء المالية وغيرها في نشر الوعي بالمنتجات المتوافقة مع الشريعة بل تجد أن مجموعة من الذين يعملون في المؤسسات المالية ويباشرون تقديم هذه المنتجات للأفراد ليسوا على وعي كاف بطبيعة هذه المنتجات وتكييفها الشرعي والفرق بينها وبين المنتج التقليدي.
من جانبه، أرجع الدكتور أشرف دوابة السبب إلى انخفاض حصة المصارف الإسلامية بالنسبة للمصارف الغربية التي تستأثر على مجمل العمل المصرفي في الدول الغربية، فنسبة المصارف الإسلامية أقل من نسبة 1 في المائة من إجمالي المصارف في الدول الغربية، كما أنها تفتقر إلى الإعلام الفعال لإبراز ملامحها والتواصل مع المجتمع الغربي واتجاه عديد من المصارف الإسلامية من دائرة الرسالة الإسلامية إلى دائرة الربحية التجارية المطلقة، إضافة إلى غياب التنسيق بين المصارف الإسلامية شرقا أو غربا وعدم وجود جهة عليا لتلك المصارف تنسق فيما بينها وتسعى لتحقيق رسالتها التي أنشئت من أجلها. وحول الموضوع قال لاحم الناصر المستشار في المصرفية الإسلامية لقد ركزت الصيرفة الإسلامية ومنذ تأسيسها في الغرب على الأعمال ولم تهتم كثيرا بالمعرفة، فلم يكن من أولوياتها نشر المعرفة بالصناعة ومبادئها والأسس التي تقوم عليها، وذلك ناتج لغياب الرسالة لدى المؤسسين لمؤسسات هذه الصناعة والقائمين عليها، فلم يكن يهمهم في جميع الأحوال سوى الربح، ولو أن القائمين على هذه الصناعة كان لديهم نوع من الاحتراف المهني البحت فضلا عن أن تكون لديهم رسالة لعلموا أن تعريف المجتمعات التي تعمل فيها هذه المؤسسات بماهية هذه المؤسسات والمبادئ التي تقوم عليها سيكون أكبر تحصين لها ضد أي دعاية مغرضة أو تشويه متعمد.
الدكتور محمد السحيباني أستاذ كرسي الشيخ محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية قال من وجهة نظري: أن سبب هذا الجهل هو أن انتشار المصرفية الإسلامية في الغرب يعد محدوداً مقارنة بالاتجاه السائد، ولهذا يجب ألا نحمله فوق ما يحتمل. في المقابل، نحن نعد ما يحدث من اهتمام بالمصرفية الإسلامية في الغرب، مع كونه محدودا نسبياً، نقطة تحول كبيرة، ولهذا نركز عليه بشكل كبير، ونفترض ضمناً أن هناك اهتماما مماثلا من قبل وسائل الإعلام في تلك البلدان، وهو ليس بالضرورة صحيحاً.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالاهتمام بالتمويل الإسلامي والمصرفية الإسلامية في الغرب هو من قبل النخبة وكبار المؤسسات المالية التي تريد أن تستفيد مالياً من التوجه الكبير نحو المصرفية الإسلامية من قبل الشركات والأفراد في الدول الإسلامية، وهذا الاهتمام غائب بالطبع عن اهتمام المواطن العادي في الغرب بمن فيهم المسلمون.
ويقول فهيم حسين المستشار الشرعي في جنوب إفريقيا: على الرغم من انتشار المصرفية الإسلامية الواسع في الغرب إلا أني أعتقد أنه مبالغ فيه نوعا ما، فدولة مثل جنوب إفريقيا مثلا لا يتجاوز عدد المسلمين فيها 2 في المائة مع الأخذ في الحسبان أن المتعاملين بالمصرفية الإسلامية لا يتجاوزون 10 في المائة من هؤلاء المسلمين، ما يعني عدم وجود وعي كاف بينهم، فالعديد منهم لا يرى فرقا جوهريا بين المصرفية التقليدية والإسلامية، وكذلك فإن انشغال العلماء في الغرب بالتركيز على أمور العبادات كان على حساب التركيز على المعاملات المالية، لذلك فإن على العلماء المسلمين في الغرب الاهتمام بهذا الأمر وجعله جانبا من أولوياتهم.
الخطوات المطلوبة
حول كيفية رفع الوعي أكد الباحث أحمد نصار على أن المدخل الأخلاقي هو الحل، وقال لا شك أن المصرفية الإسلامية أصبحت من معالم الاقتصاد المالي المعاصر المهمة والتي تلعب دورا مهما في بناء اقتصاديات الدول الإسلامية، ورغم النجاحات المتوالية لهذه المصرفية وإثبات وجودها وكفاءتها على أرض الواقع إلا أن الغرب يتعامل معها بنوع من الحذر كونها من وجهة نظرهم أداة أيديولوجية سياسية يستخدمها المسلمون لأخذ دورهم الحضاري في المجتمعات المعاصرة وهو ما كان عائقاً أمام المصرفية الإسلامية ودورها في الدول الغربية من حيث إيصال رسالتها بالشكل الصحيح المنيع من أي فهم سيئ لها.
لذلك قام العديد من المختصين والمهتمين بالمصرفية الإسلامية بتوسيط المدخل الأخلاقي كنقطة مشتركة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي لتقريب المعنى والمقصد من المصرفية الإسلامية إلى عقول الغربيين لتجاوز الفهم الأيديولوجي، وهو ما لاقى ترحيبا أكثر، فكل الديانات السماوية أولت جانب الأخلاق أهمية بالغة في تعاليمها، خاصة المالية والاقتصادية منها، إلا أن التصور الإسلامي للحياة الاقتصادية كان الأكثر كفاءة بشهادة الكثيرين.
كما أكد الدكتور أحمد العجلوني أن حل هذه المعضلة يقع على كاهل المصارف الإسلامية أولاً في التطبيق الفعلي لأساليب التمويل الإسلامية المبنية على المشاركة، والتي تعطي نظرية التمويل الإسلامي تميزها الفريد عن التمويل الربوي. إضافة إلى تبني استراتيجية ترويجية عالمية بقيادة مؤسسات مالية إسلامية رائدة كالبنك الإسلامي للتنمية الذي يقود جهوداً مشكورة في التعريف بالمصرفية الإسلامية وتمكينها من نيل المكانة العالمية التي تستحقها.
من جانبه شدد الدكتور محمد البلتاجي على أهمية وضع أطر موثقة ومنهجية للاقتصاد الإسلامي أولا، حيث تعد المصرفية الإسلامية التطبيق العملي للاقتصاد الإسلامي، ويتبع ذلك وضع أطر الصيرفة الإسلامية دون خلافات جوهرية ودون حيل، ثم يلي ذلك تقديم منهج موثق للغرب يوضح كيفية التغلب علي أسباب الأزمة المالية وما هي البدائل الموجودة في الصيرفة الإسلامية وشرح مزايا المنتجات المصرفية الإسلامية وتميزها عن المنتجات التقليدية والتي هي في الأساس محرمة من الشرائع السماوية كافة.
كما اقترحت الباحثة زاهرة بني عامر عدة أمور لرفع الوعي بحقيقة هذه المنتجات، وقالت لا بد أن تتضافر جهود جميع الجهات في هذا المجال حيث يقع على عاتق المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية جزء كبير من مسؤولية التعريف بالمنتجات والخدمات التي تقدمها، ويتسنى لها ذلك من خلال التعريف من خلال مواقع تلك المؤسسات على الإنترنت وفي المؤسسات المصرفية ذاتها، وأضافت لا يخفى على أحد ما للإعلام من دور فعّال في توضيح والتعريف بهذا النوع الجديد والمميز من الخدمات، على أن تطرح بطريقة سهلة ومبسطة كما أن المراكز الإسلامية والجهات الدعوية يجب أن تلتفت إلى أهمية التعريف بالصيرفة الإسلامية وبحقيقة المنتجات التي تقدمها تلك المؤسسات وإلقاء الضوء على جوانب الاختلاف والتميز فيها.
مشكلة التكلفة
الدكتور مستعين عبد الحميد المستشار الشرعي أرجع سبب جهل المواطن الغربي إلى أسباب بنيوية وتاريخية وهي أن أصول المصرفية الإسلامية جاءت للغرب من خارجه، كما أن المصرفية الإسلامية بدأت مصرفية ربحية تهتم باستثمار أموال كبار رجال الأعمال المسلمين المقيمين أو العابرين للغرب دون الالتفات للسكان المسلمين الذين أغلبهم من الفقراء والمهاجرين على هامش المجتمعات الغربية، ونبه إلى أن هناك عقبة أخرى وهي أن منتجات التمويل الإسلامي ما زالت أكثر تكلفة على المستهلك من التقليدية، مما يجعل التوجه نحوها غير مشجع خاصة للمواطن الغربي غير المسلم، ويمكن للمصارف الإسلامية اكتساب ميزة تنافسية نسبية إذا كانت أسعار خدماتها مناسبة. ومن ثم يجب على مؤسسات التمويل والصيرفة الإسلامية أن تعمل على مواجهة التحديات, بأن تضطلع بمهمة تثقيف عملائها من المسلمين وغيرهم حول التمويل الإسلامي ومنتجاته وكيف يمكنهم الاستفادة منه، وذلك بتصميم منتجاتها وتكييفها وفقا لاحتياجات هؤلاء العملاء، وهذا كله يتوقف على تغيير طريقة تفكيرها الاستراتيجي وتخطيطها لمواجهة التحديات المستقبلية في البلدان الغربية.
وأضاف ناصر الزيادات مدير التخطيط الاستراتيجي – شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية أن المؤسسات المالية الإسلامية تعول إلى حد بعيد على البعد الشرعي وقيمة ''الحلال'' من أجل الترويج لنفسها بين المجتمعات المسلمة في الدول الغربية، وهذا في حد ذاته لا يكفي في مجتمعات تجهل تفاصيل ''الحلال'' وتتوق إلى تعلمها، كما أن المؤسسات المالية الإسلامية – بحكم أنها تقدم منتجات وخدمات مجهولة المعالم لدى المجتمعات الغربية ـــ لا تبذل مجهودا يذكر في عملية تعليم المستهلك التي تعتبر أساساً لتشكيل قاعدة عملاء محتملين في المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن تلك المؤسسات لا تأخذ في عين الاعتبار طبيعة المجتمع المدني ومؤسساته في الدول الغربية والتي من شأنها أن تعزز قيمة وشأن منتج ما من خلال ما يعرف بمشاركة الأطراف ذات العلاقة.
دور الإعلام
سليمان عبد الله ناصر الباحث في مجال العلوم المالية والمصرفية من جامعة واي إس إم في ماليزيا، قال يعزو كثير من الباحثين أن الوعي بأهمية المالية الإسلامية بالغرب يرتبط بعلاقة إيجابية أو سلبية مع الوعي بالإسلام مجملا والنظرة العامة عن الإسلام هناك، ولقد لعب الإعلام الغربي دورا كبيرا في رسم صورة الإسلام في الغرب، وفي استبيان قامت به ''يو جوف 2002'' في بريطانيا قال فيها 66 في المائة من البريطانيين إنهم يعتبرون التلفاز والصحف أكبر مزود بالمعلومات بالنسبة لهم. غياب معرفة الغربيين عن الإسلام، وعن الاقتصاد الإسلامي بالشكل الصحيح يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر في استخدامهم لمنتجات البنوك الإسلامية، وبالتالي يجب عن البنوك الإسلامية الاهتمام بجانب الدعاية والإعلان، كما يجب على الجامعات عمل الكثير من الندوات والمحاضرات هناك لتوعية الشعب الأمريكي والأوروبي بمفاهيم البنوك الإسلامية، والإعلاميون يؤكدون أن البنوك الإسلامية مقصرة في الجانب الإعلاني والدعائي وأهم من هذا كله أن الهجمات الشرسة والصورة السلبية لا يمكن أن تكون معوقا لنمو هذه البنوك وهذه الصناعة في حد ذاتها.