كل شيء من أجل البيئة أم النفط !

نشرت وكالة الطاقة الدولية IEA يوم الأربعاء العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 تقريرها السنوي عن ''توقعات الطاقة العالمية على المدى المتوسط والطويل''. الآفاق المستقبلية الجديدة للوكالة توفر توقعات للعرض والطلب على الطاقة حتى عام 2035.
توقعات الطاقة العالمية لوكالة الطاقة الدولية الأخيرة تسلط الضوء على عدد كبير من عدم اليقين، تشمل استدامة الانتعاش الاقتصادي العالمي، نهاية حقبة النفط الرخيص الثمن، الآثار الطويلة الأجل للوفرة في الإمدادات العالمية للغاز، النمو الهائل في الطلب الصيني على جميع أنواع الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة. لكن التقرير يضيف أن الذي سيحدد توقعات الطاقة على المدى الطويل يعتمد بدرجة كبيرة على الإجراءات التي ستتخذها الحكومات ومدى تأثير سياساتها في الطلب على الطاقة وعلى التكنولوجيا.
تقرير توقعات الطاقة العالمية الحالي لوكالة الطاقة الدولية تخلى عن ''السيناريو المرجعي'' الذي كان يعتمد في السابق كسيناريو أساسي للتوقعات المستقبلية للطاقة. حيث يشير التقرير إلى أن السيناريو المرجعي الذي كان يعتمد في السابق كسيناريو أساسي يعتبر ''غير مقبول'' من حيث مستقبل تغير المناخ وأمن إمدادات الطاقة، حيث يفترض بصورة غير واقعية عدم حدوث أي تغييرات في السياسات الحالية. حيث إن الدور الرئيس المخصص لهذا السيناريو في توقعات الطاقة العالمية كان يساء تفسيره باستمرار ذلك باعتباره السيناريو الأكثر ترجيحا في المستقبل، على حد قول التقرير.
لكن التقرير الجديد لتوقعات الطاقة العالمية يعتمد ''سيناريو السياسات الجديدة'' له كسيناريو أساسي للمستقبل. حيث يأخذ هذا السيناريو في الاعتبار التزامات السياسة العامة والخطط التي تم الإعلان عنها من قبل البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك التعهدات الوطنية للحد من انبعاث الغازات الدفيئة والإلغاء التدريجي لإعانات الوقود الأحفوري والطاقة، حتى في حال لم يتم بعد تحديد أو إعلان التدابير اللازمة لتنفيذ هذه الالتزامات. بصورة عامة، سيناريو السياسات الجديدة يتضمن التزامات البلدان، بما في ذلك تلك الواردة في اتفاق كوبنهاجن.
ويذهب تقرير الوكالة الحالي إلى أكثر من ذلك، حيث يشير إلى أن اجتماع كوبنهاجن كان فاشلا، وبالتالي فإن سيناريو السياسات الجديدة لا يزال ''غير مقبول''، على غرار السيناريو المرجعي القديم. إضافة إلى ذلك يشير تقرير توقعات الطاقة العالمية بصورة صريحة الآن إلى أنه لا يمكن تحقيق طاقة مستدامة في المستقبل من خلال استجابة الاستثمارات من جانب العرض أو الإمدادات، مثل تلك التي تم تسليط الضوء عليها في العديد من توقعات الوكالة السابقة للطاقة العالمية وحتى عام 2008. إن تحقيق طاقة مستدامة في المستقبل يكمن في السياسات الخاصة بالطلب، يضيف التقرير.
مع هذا التحول، تعود وكالة الطاقة الدولية إلى جذورها بوصفها ممثلا ومستشارا لحكومات الدول المستهلكة، حيث ترى الوكالة أن سياسات الضرائب الصارمة وتطوير التقنيات الجديدة هما أفضل وسيلة بالنسبة للبلدان المستوردة للتصدي لخطر تجاوز النمو في الطلب على النفط، العرض أو الإمدادات، حيث إن الاستجابة من جانب الطلب ستصبح أكثر إلحاحا لأنه، كما لاحظ التقرير أن ''عصر النفط الرخيص قد ولى''. وأن الاستجابة من جانب العرض لن تكون فعالة تماما، بسبب التركيز المتزايد لقوى السوق في يد منظمة أوبك، حسب التقرير.
حيث يشير التقرير إلى أن دول منظمة أوبك ستلعب أيضا دورا كبيرا حتى في ظل سيناريو السياسات الأكثر استباقية لوكالة الطاقة الدولية، ''سيناريو 450''، الذي يفترض أن الحكومات ستتخذ سياسات للمحافظة على الحد الأقصى من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي عند مستويات 450 جزءا في المليون لخفض تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين. حسب التقرير حصة منظمة أوبك من إنتاج النفط العالمي في سيناريو 450 ستكون أكثر من 53 في المائة بحلول عام 2035. ويشير التقرير إلى أن سيناريو 450 هو السيناريو الوحيد الذي من خلاله تتمكن السياسات الخاصة بالطلب أن تؤدي إلى ذروة في الطلب على النفط. حيث يتوقع التقرير أنه نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام، ستقوم الحكومات بإزالة الدعم عن الوقود، زيادة الضرائب على الوقود وفرض ضرائب على غاز ثاني أوكسيد الكربون تصل إلى 40 دولارا للبرميل الواحد للحد من الطلب على النفط، ما يعني انتقال الموارد النفطية من المنتجين إلى المستهلكين من خلال فرض ضرائب عالية على الوقود لكبح الطلب.
في هذا الجانب يشير التقرير إلى أن تقنيات قطاع النقل هي أداة في أيدي الدول المستهلكة للنفط لكي يكون لهم دور فعال في أسواق وأسعار النفط في المستقبل. من خلال إحداث تغييرات في قطاع النقل، يمكن إيجاد حلول لمشكلة إمدادات النفط، حيث إن الطلب على النفط يمكن أن يبلغ ذروته نحو عام 2020 في سيناريو 450، إذا تحركت البلدان ببطء ولكن بثبات إلى تقنيات المركبات الكهربائية من السيارات التقليدية، أضاف التقرير. كما أن الاستجابة لسياسة الحكومة الاستهلاكية لا تحتاج بالضرورة أن تكون منسقة ضمن الصفقات العالمية، ولا حتى نابعة من الدوافع نفسها.
تقرير الوكالة الحالي ضمن سيناريو السياسات الجديدة يفترض تنفيذا حذرا للالتزامات الحكومية. في هذا السيناريو يتوقع التقرير نمو الطلب العالمي على الطاقة بنحو 1.2 في المائة سنويا بين عامي 2008 و2035 مقارنة بــــ1.4 في المائة سنويا في سيناريو السياسات الحالية، الذي حل محل السيناريو المرجعي السابق، حيث يفترض عدم وجود تغيير في السياسات اعتبارا من منتصف عام 2010.
يتوقع تقرير الوكالة ارتفاع الطلب العالمي على النفط بنحو 15 مليون برميل يوميا ليصل إلى 99 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035 ضمن سيناريو السياسات الجديدة أو بنسبة 0.6 في المائة سنويا. هذا النمو في الطلب أقل من الطلب ضمن سيناريو السياسات الحالية بنحو 8.4 مليون برميل يوميا، الذي يفترض ارتفاع الطلب العالمي على النفط بنحو 23.4 مليون برميل يوميا ليصل إلى 107 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2035. يتوقع التقرير أن يأتي جميع صافي نمو الطلب العالمي على النفط من الدول غير الأعضاء في منظمة التنمية الاقتصادية، ما يقرب من نصف صافي النمو سيأتي من الصين وحدها، ويرجع السبب في ذلك أساسا إلى ارتفاع استخدام وقود النقل.
يشير التقرير إلى أن رفع الدعم عن الوقود، الذي يبلغ تكلفته نحو 312 مليار دولار في عام 2009، يمكن أن يقدم مساهمة كبيرة في تحقيق الأهداف البيئية، ما يعوض جزئيا خيبة الأمل من قمة كوبنهاجن لتغير المناخ، ويضيف التقرير أن التخلص التدريجي من الإعانات والدعم بحلول عام 2020 من شأنه أن يقلل الطلب على الطاقة الأولية بنحو 5 في المائة، مقارنة بسيناريو عدم التخفيض. يتوقع التقرير أن يكون الطلب على النفط أقل بنحو 4.7 مليون برميل يوميا في حالة التخلص الكلي من الإعانات، في حين أن انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون سيتراجع بنسبة 5.8 في المائة.
لكن التقرير يدعو في الوقت نفسه إلى نمو الدعم المالي لمشاريع الطاقة المتجددة، حيث يشير إلى أن مصادر الطاقة المتجددة ستلعب دورا رئيسا في الحد من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون وتنويع إمدادات الطاقة. الدعم الحكومي لمصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الوقود الحيوي يجب أن يرتفع إلى 205 مليارات دولار بحلول عام 2035 من 57 مليار دولار في 2009 بموجب سيناريو السياسات الجديدة لوكالة الطاقة الدولية.
في إطار سيناريو السياسات الجديدة، يتوقع التقرير ارتفاع أسعار النفط إلى 113 دولارا للبرميل في عام 2035 من 60 دولارا للبرميل في عام 2009، مقارنة بــــ90 دولارا للبرميل و135 دولارا للبرميل في إطار سيناريو 450 وسيناريو السياسات الحالية على التوالي، حيث يشير التقرير إلى أن تحول نمو الطلب إلى الأسواق المدعومة سيحد من تأثير ارتفاع الأسعار في الطلب.
لكن المفارقة هنا هي أن التقرير يتوقع أسعار أقل للنفط وطلب على النفط أقل ضمن إطار سيناريو 450 وسيناريو السياسات الجديدة مقارنة مع سيناريو السياسات الحالية، وهذا هو خلاف أساسيات السوق والاقتصاد، حيث إن مع وجود أسعار اقل من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط. لكن التقرير يفترض أن سلوك المستهلك وخصوصا في دول منظمة التعاون والتنمية سوف لا يتأثر بحركة الأسعار لفرض ضرائب عالية على الوقود لكبح الطلب، ما يعني انتقال الموارد النفطية من المنتجين إلى المستهلكين، كما أشرنا سابقا.
ويتوقع التقرير أن يستمر النفط الخام يلعب دورا مهما في مزيج الطاقة في المدى الطويل، لكن الإنتاج من سوائل الغاز الطبيعي، والنفط من المصادر غير التقليدية سينمو بقوة أيضا، حسب التقرير. حيث يتوقع التقرير أن يلعب النفط من المصادر غير التقليدية دورا متزايد الأهمية في إمدادات النفط العالمية، وذلك بفضل زيادة الإنتاج من النفط الفنزويلي الثقيل والرمال النفطية في كندا. هذا ويتوقع التقرير أن يصل إنتاج النفط العالمي إلى 96 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035.

تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي