نحو تأسيس شركة وطنية خلاّقة وعملاقة لتقنية المعلومات (2 من 2)
ذكرت في المقال السابق، أنه في ظل ندرة المنتجات المحلية الصنع في هذا القطاع الحيوي، الذي له تأثيراته الإيجابية في الإنتاجية والقدرة التنافسية في القطاعات الاقتصادية كافةً، وله أيضا تأثيراته في النمو الاقتصادي الوطني بشكل عام؛ فضلاً عن قدرته الكبرى على توليد فرص العمل، وعلى تحقيق التنوع الاقتصادي، حيث تشكّل هذه العوامل تحديات حقيقية للاقتصاد السعودي خاصة، والعربي بشكل عام؛ يبقى خيار بناء شركة وطنية خلاّقة وعملاقة لتقنية المعلومات، لها معاييرها ومواصفاتها الدقيقة؛ وتهيئة بيئة ملائمة لتنامي هذا القطاع أمرًا واجبًا ومهمًا؛ لبناء القدرات، ونواة عربية لتطوير قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة..، تكون على غرار الشركة السعودية للصناعات الأساسية ''سابك''؛ لتكون واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة المعدات والبرمجيات والاتصالات في العالم، في ظل استحواذ الشركات الكبرى على حصة كبيرة من السوق في مجال تقنية المعلومات، مناصفة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ ما يتطلب ضخ المزيد من رؤوس الأموال الكبيرة، وتهيئة أعداد كبيرة من المختصين الفنيين، كما هو كائن في معظم الدول المتقدّمة.
إن النظرة الشمولية لهذه القضية التقنية والمعلوماتية تؤسّس إلى استكمال الإجراءات المادية والفنية لقيام مثل هذه الشركة العملاقة، وأيضًا الإدراك بمدى اختلاف تقنية المعلومات عن سوابقها، وخطورة وخطأ النظر إليها كمجرد مرحلة من مراحل التطور التقنية، يسري عليها ما سرى على ما قبلها! لأن إدارة مواردنا تحتاج إلى إرادة، وإلى المحافظة عليها، خصوصًا في صناعة المعلومات والبرمجيات حتى لا تصبح هويتنا.. بتعليمها، وإعلامها، وإبداعها، وتراثها، ولغتها، تحت وطأة، ورحمة عولمة البرمجيات، واحتكاراتها في أبشع صورها. وهنا يبرز الخطر الحقيقي..! في ظل التحذيرات المتصاعدة من الاختصاصيين من خطورة الاعتماد علي المنتجات الأجنبية في هذا القطاع، وضرورة أن يتم توطين نظم المعلومات لتأمين المعلومات الوطنية كافةً، خاصة مع التنامي المستمر للجرائم الإلكترونية، والأنشطة الاستخباراتية والتجسسية الإلكترونية، التي تتواطأ فيها بعض الشركات العالمية المنتجة لعناصر قطاع تقنية المعلومات الثلاثة! وحيث تتصاعد خطورة الجريمة الإلكترونية على المصارف والبنوك والشركات ورجال الأعمال، وتضاعف عمليات السطو في غير دولة أوروبية على عشرات الآلاف من أجهزة الصرف الآلي!
كل ذلك، يؤيّد حتمية تأمين أنظمتنا المعلوماتية، والاعتماد على منتج وطني، بأيدٍ سعودية خالصة، ولاسيما أننا ما زلنا نعتمد بشكل رئيس على استيراد العناصر الرئيسة لنظم تقنية المعلومات الثلاثة.
وإذا كنا نتحدث عن صناعة ثقيلة لتقنية المعلومات والخدمات المرتبطة بها؛ نتساءل: ما العائق الذي يحول دون تصنيع السعودية المعدات الرقمية والإلكترونية Hard Ware، مثل: الهند والصين، وتايوان، وهونج كونج؟! التي تفوقت دوليًا في هذا الخصوص، وبات من الصعوبة بمكان على بقية الدول، ومن بينها بالطبع السعودية، المنافسة في مثل هذه الصناعة، التي قد لا تحتاج إلى أيد عاملة كثيفة، بقدر توافر القيمة المضافة ومحاورها لتنمية هذا القطاع الحيوي، المتمثّلة في: استقطاب شركات أجنبية، وفتح آفاق واسعة للاستثمارات، وإقامة مشروعات مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة في هذا الخصوص لتوفير فرص عمل دقيقة وكثيفة بجودة عالية؛ وتنمية الشركات الوطنية، وتطويرها من خلال برامج لبناء القدرات المؤسسية لهذه الشركات وعبر رعاية المبدعين ودعم الأبحاث والتطوير، إضافة إلى المحور الأكثر أهمية: العمل على تكوين كوادر مؤهلة ومحترفة، وقادرة علي العمل في فرص العمل التي تنجم عن المحاور السابقة؛ فضلاً عن تحقيق الهدف الأسمى وهو الانتقال إلى مجتمع تقنية المعلومات السعودي من الاستهلاك إلى الإنتاج والتسويق وتأمين المعلومات والاتصالات، بأيد سعودية؛ وضمان النقل الآمن للمعلومات والتحويلات المالية علي الشبكات الإلكترونية وتأمين تعاقدات التجارة الإلكترونية ومشروعات الحكومة الإلكترونية.
إن خيار بناء شركة وطنية خلاّقة وعملاقة لتقنية المعلومات لها معاييرها ومواصفاتها الدقيقة، يتطلب كما ذكرت، الدرجات الكاملة في سلم القيمة المضافة، والتي تشكّل أهمية كبرى في زيادة صادرات قطاع تقنية المعلومات، كيفًا، وكمًّا..، ويتطلب التأسيس لهذه الشركة العملاقة الاستفادة من البيئة المتوافرة حاليًا من تطوير برمجيات، وما يرتبط بها من نظم وتطبيقات واستشارات، وكلها صناعات، موجودة على أرض الواقع في المملكة؛ وكذا الاستفادة من الكفاءات الهندسية السعودية، الذين يعملون أو يشاركون في شركات عالمية، التخصص الدقيق ذاته، والتقنية العالية، والتي تمارس عملها على أراض المملكة؛ حتى يمكننا اللحاق بالنمور التقنية الآسيوية المحلّقة في سماء هذه الصناعات المتقدمة. وهو درب طويل وشاق سارت عليه من قبل دول عدة، تمكّنت أن تستثمره وأن تحقق طفرة كبرى في هذا المجال التقني والمعلوماتي والاتصالي؛ ما أحدث نقلة نوعية في اقتصادياتها.
إن المملكة العربية السعودية، تعيش حاليًا تحولاً كبيرًا في مجال تقنية المعلومات أبرز سماته، مئات المشروعات الفنية والصناعية والاقتصادية، التي تغذي شتي مناحي الحياة، ويعمل فيها شبابنا الموهوبون.
ويجب ألا ننسى أن المتخصصين السعوديين في مجال تقنية المعلومات لم يظلوا مستهلكين أو مستخدمين أو مبرمجين فحسب، بل اقتحموا عالم الابتكار والتصميم، وهي خطوة مهمة لأية دولة، لديها إرادة في اللحاق بالركب السريع للتقنية. والمملكة مُرشَّحة، بقوة للوصول إلى مكانة متميزة، بشرط مواصلة المسيرة الراهنة وألا تثبطها قوى البيروقراطية، وأن يتم استثمار إمكانات المواهب، والكفايات السعودية، وأن تعمل المملكة على زيادة عمليات التدريب والتأهيل والتعليم في مجال التقنية والمعلومات، ثم أخيرًا تتويج الجهود بتأسيس هذه الشركة الخلاقة والعملاقة في تقنية المعلومات..!