محمد عبده يماني واستشراف المستقبل
قبل حوالي الـ30 عاما، وحينما تحدث الدكتور محمد عبده يماني عن البث التلفزيوني المباشر، وحذر من خطورته، لم يكن أحد يصدق ما قاله الدكتور يماني، بل ظن الكثيرون أن ما ذكره عن البث المباشر مجرد خيال جامح سيطر على أستاذ الجيولوجيا، الذي أصبح وزيراً للإعلام، وبعد سنوات قليلة من تلك المحاضرة، وحينما بدأت طلائع البث المباشر تظهر، أدرك الكثيرون أن ما قاله محمد عبده يماني كان نوعا من استشراف المستقبل في مجال غاب عن كثير من المتخصصين في الإعلام إدراك أبعاده.
محمد عبده يماني لم يدرس الإعلام، بل ولم يمارسه ممارسة حقيقية قبل أن يصبح وزيراً للإعلام، لكن الإعلام مهنة يُبدع فيها غير المتخصص حين تتوافر الموهبة والحس الإعلامي، ويخفق فيها من زاده لا يتعدى درجة علمية، دون موهبة أو خبرة تدعمها.
محمد عبده يماني رغم ما تولاه من مناصب أكاديمية عديدة، إلا أن قدره كان أن يكون فاعلاً في مجال الإعلام، ذا رؤية وإدراك لأهمية بل وخطورة سلاح الإعلام في عالمنا المعاصر.
محمد عبده يماني كان أنموذجا للوزير الذي بمجرد أن يخرج من الوزارة يعود إلى الحياة العامة، ولا ينكفئ على نفسه متلذذا بذكريات المنصب، بل عاد إلى المجتمع بفاعلية أكبر، وكان له حضور كبير في المجال الإعلامي والثقافي والاجتماعي، وتميزت كتاباته بأنها ذات بعد إنساني واجتماعي، ولم يعهد عنه أنه كتب مقالا يدافع فيه عن نفسه حينما كان وزيرا، أو يبرر ما ارتُكب من أخطاء في عهده، أو ينتقد طريقة إدارة ملف الإعلام من قبل من تولوا الوزارة بعده.
من كان يستمع إلى أطروحات محمد عبده يماني في مجال الإعلام، سواء القديم منها أو الحديث، لا بد أن يُكبر في الرجل بعده عن شخصنة الأمور، وحرصه على طرح رؤى ترسم الطريق، وتحذر من مخاطر ترك سلاح الإعلام بيد من لا يحسن إدارته ولا يدرك أبعاده وخطورته.
فمحمد عبده يماني كان يرى أن ''الإعلام تعبيرٌ عن واقع الأمة'' وأن وزير الإعلام يكون صاحب قرار ''عندما تكون لديه الشجاعة الكافية والثقة من ولي الأمر'' كما أشار إلى غياب الرؤية الواضحة في الإعلام العربي، ورأى أن ''كل وزير يأتي وله تصوره الخاص، وليس هناك خطة إعلامية محددة وإنما اجتهادات''.
آراء محمد عبده يماني، وأطروحاته في مجال الإعلام وغيره تستحق أن توثق، وآماله التي عبر عنها في عديد من الحوارات التي أجريت معه، تستحق أن يسعى محبوه لتحقيها. رحم الله الدكتور محمد عبده يماني وتغمده بواسع مغفرته.