الصيرفة الإسلامية تنمو في الجزائر وسط نقص شديد في الإطار التشريعي والمؤسسي
يتزايد الاهتمام الجزائري يوماً بعد يوم بالمصرفية الإسلامية، وتكشف المعلومات الحديثة المتصلة بالحركة الاقتصادية هناك ازدياد الهوة بين المستهلكين والمصارف الربوية، يظهر هذا مع تزايد طلب الجزائريين لمنتجات البنوك الإسلامية لتفادي الربا وتقلب الأسواق المالية، حيث يسعي هؤلاء إلى إيجاد قروض وفرص استثمارية تحترم الشريعة.
لكن هذا الطلب يواجه مشكلة أساسية تتمثل في النقص الشديد في الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي، وفي هذا الإطار طالب مختصون في الصيرفة الإسلامية، الحكومة الجزائرية بإصدار تشريعات خاصة بهذه الصناعة التي تحتاج إلى تشريعات وقوانين مناسبة للتوسع والسماح للاقتصاد الجزائري بالاستفادة منها، بشكل حقيقي على غرار ما هو معمول به في عديد من الدول العربية والإسلامية والدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
الحاجة إلى التشريع
وكان مسؤولو عدد من البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية والدولية قد أكدوا خلال النسخة الثالثة للملتقى الدولي حول التمويل الإسلامي، الذي عُقد أخيرا في العاصمة الجزائرية حاجة الصناعة المالية الإسلامية في الجزائر إلى التطوير، حيث أكد هؤلاء حاجة الجزائر أولا وقبل كل شيء إلى تشريع خاص، على اعتبار أن قانون النقد والقرض الساري المفعول عاجز في الوقت الراهن عن مسايرة التطورات العالمية المتسارعة في حقل التمويل الإسلامي، مما يسبب خسائر كبيرة للاقتصاد الجزائري نتيجة عدم استغلال طلب مرتفع جدا على خدمات التمويل الإسلامي في المجالات الصناعية والزراعية والخدمية المختلفة.
وقد دعا المشاركون في المنتدى أيضاً إلى ضرورة توحيد طرق تمويل الاقتصاد والاستثمار وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، بما يفتح المجال واسعا أمام تعميم استخدامات الصيرفة الإسلامية عبر العالم التي ثبتت نجاعتها في صون ماليات الدول من التضخم والأزمات رغم حداثة هذا النظام التمويلي.
التمويل الإسلامي للعقارات
وفي خضم هذا الاهتمام بالتمويل الإسلامي، يسعى المستهلكون الجزائريون إلى إيجاد صيغ إسلامية لتمويل الإسكان الذي يمثل هاجساً كبيراً لدى كل قطاعات الشعب، كما هو الحال في عديد من دول العالم، وهذا وقد شكل موضوع تمويل القرض العقاري في الجزائر وفق المبادئ الإسلامية الموضوع الرئيسي للمنتدى، حيث اقترحت بعض البنوك الإسلامية التي تعمل في الجزائر صيغا موجهة لاقتناء السكن من أجل الاستجابة لمتطلبات الزبائن الحريصين على تفادي التعامل بالربا المحرم في الإسلام. ورأى المشاركون في هذا اللقاء الذي تم بالتعاون مع بنك البركة الجزائر أن تطور التمويل الإسلامي في الجزائر يبقى محدودا لعدة أسباب، منها غياب الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي الذي يحدد كيفية وشروط هذا التمويل البديل. وأشار متحدثون إلى أن القانون حول النقد والقرض يرخص للعمليات والمنتجات المصرفية الإسلامية بما فيها القرض العقاري لأن هذه الصيغ لا تشكل أي تجاوز على القانون الجزائري وليس لكون هذه المؤسسات المالية مطابقة لمبادئ الشريعة، وأضاف هؤلاء أن هذا المفهوم المالي يعد حلا بديلا في غاية الأهمية لاقتصاديات التمويل الكلاسيكية باحتوائه على الخصوصيات الكفيلة بكبح عوامل التضخم وتفادي الأزمات المالية المؤدية إلى الإفلاس الحتمي.
قوانين خاصة بالمنتجات الإسلامية
من جهته أكد ناصر حيدر الأمين العام في بنك البركة الجزائري أهمية نظام الصيرفة المالية في حل إشكالية البنوك الخاصة بتمويل المؤسسات الجزائرية الخاصة، علاوة على توسيع نطاق التمويل الإسلامي ورواجه في الجزائر، داعيا إلى مزيد من إجراءات تنفيذ المرابحة على مستوى البنوك، ولا سيما الخاصة، إضافة إلى توظيف الأموال في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة سبل العمل.
وقال ناصر حيدر إن سوق العمل المصرفية في الجزائر لا تتجاوز 1 في المائة من مجمل الأصول المتداولة في العالم، معتبرا أن التدابير الجديدة المدرجة في نظام الصيرفة الإسلامية من شأنها وضع حد للإشكاليات الضريبية في الاستثمارات والممارسات الربوية المتسببة في إحداث الأزمات المالية.
ودعا السلطات الجزائرية إلى «وضع قوانين خاصة ببعض المنتجات البنكية الإسلامية، كما كان الحال بالنسبة للتمويل عبر المشاركة المتناسبة مع القوانين والإجراءات الخاصة برأسمال الاستثمار».
وفي الإطار نفسه انتقد مشاركون الضغوط التي تمارس على البنوك التي تتعامل وفق قواعد الشريعة الإسلامية في الجزائر، في مقابل الحرية التامة لعمل البنوك الأوروبية العاملة في الجزائر التي تلقى الرعاية والحماية الكافية، وطالبوا بتنفيذ التزام محافظ بنك الجزائر المتمثل في فتح شبابيك إسلامية على مستوى البنوك التجارية الجزائرية.
يذكر أن الحكومة كانت قد استجابت لمثل هذه المطالب من خلال تعديل قانون النقد والقرض بالتشاور مع خبراء ومختصين في الصيرفة الإسلامية، وفقهاء في الشريعة الإسلامية، حيث من المقرر أن يدخل التعديل المعتمد في أيار (مايو) 2010 حيز التنفيذ بداية العام المقبل، ويهدف بالدرجة الأولى إلى التوفيق بين النظام المالي والبنكي الجزائري الحالي وتقريبه من قواعد المعاملات الإسلامية، وخاصة في الجوانب المتعلقة بالموقف من مسألة الفائدة التي تعمل بها البنوك التقليدية.
التجربة بعد عقدين
وكغيرها من الدول، تعاني الجزائر نقصا كبيرا في المصرفيين والتنفيذيين المؤهلين لتسيير نشاط المصرفية الإسلامية، حيث تعاني بعض المؤسسات البنكية في الإطارات والمصرفيين المختصين في تنفيذ الأدوات المطابقة لمبادئ الإسلام في تمويل الاقتصاد والعقار، ولا سيما بعد إلغاء القروض الاستهلاكية.
وعلى الرغم من هذا تبدو سوق التمويل الإسلامية في الجزائر بعد 18 سنة من إنشائه متطورة، وتسير بخطى كبيرة، وقد استحدثت في الآونة الأخيرة عدة بنوك ومؤسسات تأمين إسلامية، لكن أكثر ما يميز هذه الفترة اقتناع بعض الجامعات بأهمية تدريس بعض المواد المرتبطة بالتمويل الإسلامي، كجامعة سطيف على سبيل المثال التي شهدت تقديم عدة أطروحات تتعلق بهذا المفهوم، إضافة إلى المدرسة العليا للبنوك في العاصمة الجزائر التي تسير وفق هذا المنهج التكويني. إلى جانب هذا تنشط شركات عدة في تطوير السوق المالية طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
نذكر في هذا السياق أنه تنشط في الجزائر أربع مؤسسات مالية تعمل وفق المبادئ المالية الإسلامية، ويتعلق الأمر ببنك البركة وبنك الخليج في الجزائر وبنك السلام وشركة سلامة للتأمينات. وتظل حصة البنوك الإسلامية في السوق المصرفية الجزائرية هامشية، بحيث لا تتجاوز حصة البنوك الإسلامية في سوق الخدمات البنكية الجزائرية 1.5 في المائة. وتسيطر البنوك التجارية على السوق المصرفية في الجزائر، ولا يحوز القطاع الخاص منها إلا 12 في المائة.