الدولار.. هبوطه يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي ويضر باقتصاديات بلدان أخرى
منذ إلغاء قاعدة الذهب كحافظ قيمة مكافئة للدولار في عام 1971 لم يتعرض القطاع المصرفي الدولي إلى هزة كالتي يتعرض لها الآن بسبب الهبوط المحسوب لقيمة الدولار إزاء العملات الدولية الأساسية، حيث شكل الهبوط الحالي طوق نجاة للاقتصاد الأمريكي، فيما ألحق أفدح الأضرار باقتصاديات الدول الأخرى سواء كانت حليفة لواشنطن أم لم تكن.
وما خلفته عملية إلغاء قاعدة الذهب تلك من آثار ضارة باقتصاديات الدول قاطبة يلمس المراقب ذات الأثر في عملية هبوط قيمة الدولار الآن، حيث نشطت العملية الصادرات الأمريكية وجلبت ملايين السياح، في حين كانت الآثار مدمرة سواء على الشركاء الرئيسيين أو للدول الأخرى التي تتعامل في تجارتها الدولية بالدولار.
ويرى خبراء أن الهبوط المحسوب لسعر صرف الدولار في السوق المصرفية الدولية، قد نبه إلى أن النتائج المحتملة على الاقتصاد العالمي ستكون خطيرة منذ 50 عاما يلعب الدولار مقياسا أساسيا للقيمة التبادلية، لذا فإن مصيره أصبح شأنا يهم العالم كله.
غير أن المقلق بحسب الخبراء هو العجز في الميزان التجاري الأمريكي الذي أثر بصورة مريعة على متانة الاقتصاد الأكبر في العالم القوة الاقتصادية الأمريكية؟، فبحسب "نيويورك تايمز" (16/11) فإن "الولايات المتحدة تنفق أكثر مما تنتج بـ 600 مليار دولار أو ما يعادل 6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي".
تراجع الدولار أدى أوتوماتيكيا إلى ارتفاع أسعار الذهب والنفط؛ إذ وصل سعر الأونصة إلى نحو 1400 دولار، كما قاد ذلك إلى ارتفاع مماثل في أسعار النفط لتعويض فرق السعر الذي نجم عن الهبوط وهو ما أربك اقتصاديات منطقة اليورو وجنوب شرق آسيا باعتبارها تعتمد أساسا على استيراد النفط.
هذا التدهور المستمر في أسعار صرف الدولار فرض على الاقتصاد العالمي تحديات كبيرة بصورة مفاجئة لما تحمله في طياتها من الآثار الضارة التي قد تصل إلى أفدح الأضرار في دول تعافت حديثا من الأزمة الناتجة عن الفقاعة العقارية الأمريكية خلال النصف الثاني من العام 2008 والعام 2009.
وترى "وول ستريت جورنال" أن الدولار محكوم عليه بمواصلة التراجع وذلك كون مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يريدون زيادة التضخم أكثر بقليل معتبرة أن" تخفيض قيمة الدولار ليس استراتيجية عالمية للنمو" فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيدات خارج البلاد. وعلى الرغم من التراجع الذي وصل إلى الدولار إلا أنه يبقى العملة الرئيسة في النظام المالي العالمي، فهو يباع ويشترى في الصفقات اليومية في أسواق الصرف بنسبة 85 في المائة، كما أنه يستخدم كعملة في 62 في المائة من احتياطيات الدول من العملات الصعبة.
وفي السياق نفسه تناقلت وكالات الأنباء تصريحات الخبير مارتين فيلدشتاين أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة هارفارد لجريدة باهتمام، إذ أكد أن السياسة الأمريكية تسعى إلى تأمين دولار قوي في الداخل والخارج وقادر على المنافسة في الخارج, فالدولار القوي في الداخل يعني دولارا محتفظا بقوته الشرائية وذلك بفضل انخفاض معدل التضخم. فالدولار القادر على المنافسة في الخارج يعني أن الدول الأخرى لا ينبغي لها أن توظف سياسات تعمل بشكل مصطنع على خفض قيمة عملاتها من أجل تعزيز الصادرات والحد من الواردات.
ويضيف: "وفي الأعوام الأخيرة عملت الكثير من البلدان في مختلف أنحاء العالم على تكديس احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي كالصين وكوريا وتايوان وسنغافورة والهند والدول المنتجة للنفط، وأغلب هذه الأرصدة تستثمر الآن في السندات الدولارية مما يدل أن الدولار مازال وسيظل العملة الاستثمارية الرئيسة في تلك البلدان، الأمر الذي يعكس عمق سوق رأس المال الأمريكية". بيد أنه يرى أن الخطر الرئيس الذي يهدد الدولار يتمثل في الدين الوطني الأمريكي والمتنامي الذي قد وصل إلى 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يراوح بين 25 و50 في المائة. كما يتوقع أن يصل إلى 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العقد الحالي, وذلك بحسب توقعات مكتب الميزانية الأمريكي غير الحزبي التابع للكونجرس. ثم يعود ليقول إنه على الرغم من التراجع الذي مني به اليورو بسبب أزمة اليونان, إلا أن اليورو هو البديل الأساسي للدولار، وأن عملية إعادة التوازن لمصلحة اليورو ستستأنف في المستقبل لتصب في مصلحة اليورو.
إلى ذلك فإن التوقعات تشير إلى ارتفاع محتمل في قيمة العوائد في وزارة المالية الأمريكية من الممكن أن تشكّل سببا في تشجيع المزيد من عمليات إعادة الشراء للدولار الأمريكي. ويأتي هذا من جراء الارتفاع الذي حصل هذا الأسبوع في عوائد السندات الأمريكية وذلك ردا على تحرك بنك المجلس الاحتياطي الاتحادي في إضافة المزيد من تدابير التخفيف الكمي بهدف تحفيز الاقتصاد الأمريكي الراكد.
هذا وتراجع الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني وتم تداوله على مستوى 81.61، وهو انخفاض نسبته 0.2 في المائة، ولكن هذا المستوى أعلى بكثير من أدنى مستوياته منذ 15 عاما.
يشار إلى أن الاجتماع المقبل للمجلس الاحتياطي الاتحادي للسوق المفتوحة سيعقد جلسته في الثاني والثالث من كانون الأول (ديسمبر). ويأمل المستثمرون للحصول على مزيد من التفاصيل حول خطط بنك الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك مبلغ البرنامج المخطط، وكيف سيتم تصريف الأموال في المشروع المقترح، مع العلم أن الجهات المسؤولة توصي باتخاذ الحذر والتمويل التدريجي.
لقد أجرى أخيرا استطلاع للرأي والذي يشير إلى التقديرات المالية لهذا المشروع، حيث إنه يراوح بين 80 مليار دولار و100 مليار دولار. في الوقت ذاته أعلن البنك المركزي في اليابان أخيرا عن خطط مفصّلة لتحفيز الاقتصاد الخاص بهم، والذي يتضمن خطة لشراء الأصول. وسيتم عقد اجتماع سياسي في الأسبوع المقبل في اليابان من جراء التخفيض الأخير في أسعار القروض الرئيسة إلى ما يقارب الصفر، نظرا للحاجَة الماسة لهذا الأمر.
وفي سياق متصل يقرأ الدكتور مظهر السمان نائب غرفة التجارة العربية الأمريكية في واشنطن سابقا المشهد الاقتصادي بعين أخرى غير تلك التي يرى بها خبراء هارفرد، إذ يرى أن ارتفاع أسعار الذهب هو المرآة التي تعكس حالة الاقتصاد الأمريكي الحالي وما يعانيه من غلاء وتضخم مالي عال، معتبرا أن زيادة مديونية الحكومة الأمريكية وعدم تمكنها من دعم الدولار أديا إلى تزعزع ثقة المستثمرين بالدولار واللجوء إلى عملات أخرى كاليورو الأوروبي. ولكن دخول أزمة واليونان وانعكاساتها على اليورو أدى إلى تراجع اليورو أيضا. تلك الأزمات المتلاحقة أفقدت المستثمرين الثقة في العملات وهي حولت أنظار المستثمرين نحو الذهب كاحتياطي بديل. ويرى السمان أن الذهب لا يمكن أن يحل محل الدولار أو العملات الأخرى كاحتياطي بديل على المدى الطويل، ولا يمكن الاستفادة منه على المدى الطويل فالذهب معروف بثبات أسعاره والمتغير هو العملات فهو معدن وليس عملة. أما النفط فلا يمكنه أن يحل بديلا كونه مادة سائلة وليست عملة.
ويجمع محررو المال في الصحف الأمريكية على أن هبوط الدولار يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، فيما يلحق أفدح الأضرار باقتصاديات بلدان أخرى تعتمد على الدولار، ولكن هبوطه يسهم في زيادة الصادرات الأمريكية للخارج، كما يشجع السائحين على زيارة الولايات المتحدة مما يسهم في رفع نسبة السياحة وهو ما يدخل نقودا للبلاد ويحرك السوق معتبرين أن لا عودة إلى قاعدة الذهب كحافظ للقيمة المكافئة للدولار أو أن يحل بديلا للدولار أو حتى أي عملة أخرى للتداول، ولكنه قد يكون حلا للمستثمرين في الوقت الحالي وليس كاستثمار لعقود طويلة.
من جهته، قال عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي تعقيبا على تواصل هبوط الدولار إن من المستبعد أن يدفع تراجع الدولار الأمريكي دول المجلس لإعادة النظر في ربط عملاتها به، في حين قال وزير مالية الكويت إن ضعف الدولار الأمريكي ليس مبعث قلق بالنسبة لاقتصادات دول الخليج، وإن من المرجح أن ترفع بلاده الإنفاق في ميزانيتها للسنة المالية المقبلة 2011/2012.
ويثير تراجع الدولار قلق منتجي النفط، حيث يخفض قيمة إيرادات تصدير الخام المقومة بالعملة الأمريكية، في حين ترتفع أسعار وارداتهم من سلع أولية مثل الحبوب لكن وزير المالية الكويتي مصطفى الشمالي أجاب بالنفي عندما سئل إن كان هناك أي قلق بشأن أثر ضعف الدولار في اقتصادات دول الخليج العربية. ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن الشمالي قوله إن مستويات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي لا تبعث على القلق. كان الدولار لامس أدنى مستوى في 11 شهرا مقابل سلة عملات الأسبوع الماضي.