تحديات الإعلام الإسلامي في عصر العولمة
يتعرض العالم الإسلامي للكثير من الهجمات منذ دولة المدينة التي أنشاها رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ حتى اليوم، وتتركز الهجمات على الركنين الأساسيين للإسلام، وهما القرآن والسنة. فقد عرف المسلمون تجارب متواصلة وصورا مختلفة للمساس بالقرآن الكريم، وكذلك بالسنة النبوية المطهرة وبشخص نبي الأمة، وستتواصل هذه الهجمات إلى أن تقوم الساعة. وامتدت الهجمات إلى كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، ولعل آخرها محاولة إلصاق الإرهاب بكل ما هو إسلامي. وأتاحت العولمة تقنيات متطورة للإعلام الذي كان إحدى جبهات الصراع والهجوم على العالم الإسلامي، خاصة أن الحركة الصهيونية تسيطر على موجات الإعلام الدولي، فأضيفت هجمات جديدة ومتلاحقة على المسلمين منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، كما تتفاقم الهجمات كذلك للتمكين لإسرائيل والهيمنة الغربية على مقدراتنا. هذا المشهد يطرح عددا كبيرا من التحديات على الإعلام في الدول الإسلامية، بعد أن قرر العالم الإسلامي أن يخوض مواجهة حضارية أطلقها خادم الحرمين الشريفين ببرنامج الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات، لأن الحوار يعني الاحتكام إلى العقل والحقائق بعيدا عن الإرهاب والقوة الغاشمة. ولذلك فإن من يرفض الحوار هو ذلك الذي يعاني ضعف الحجة وضياع المنطق، فيلجأ إلى الإرهاب والقوة بدلا من الحوار. ولعلنا نذكر أن ثقة القرآن الكريم بسلامة الإسلام ورسالته توجه المسلمين إلى الدعوة إلى الله؛ أي إلى الحق بكل الطرق السلمية التي تقوم أساسا على الحوار، حيث تتنوع وسائل الدعوة إلى الحق في إطار منهج الحوار بين الحكمة والموعظة الحسنة والجدل الراقي المتحضر القائم على الصبر والتسامح وحسن العبارة وهدوء الأعصاب. فالقضية هي أن الإعلام الإسلامي مطالب بأن يتحصن بهذه الروح وهذه الفلسفة، حتى يستطيع أن يرقى إلى مستوى القضايا الإسلامية التي تتنوع وتتوزع بلا حدود. وأول هذه التحديات هو التحدي التكنولوجي والصنعة الفنية في الخطاب الإعلامي، وهو ما برع فيه الإعلام الصهيوني، الذي يحاول أن يخترق العقول والأفهام بالأكاذيب والتشكيك في مفردات وجودنا. لذلك لا يزال الجدل قائما حول قضية السماح للشخصيات الصهيونية بالظهور في إعلامنا. التحدي الثاني هو تطوير الهجوم على القرآن والسنة وعلى قيم الإسلام الحنيف والمسلمين من ورائه. ولذلك، فإن إعلامنا يجب أن يوضح بشكل قاطع أن الإسلام لا يمكن أن يحمل أوزار المسلمين، فنحن أتباع نجتهد في الاتباع، فلا يتحمل الإسلام وزر من ضل منا في الفهم والسلوك والأداء. أما التحدي الثالث، فهو الهجوم الإعلامي الدولي على قيمنا ورموزنا بحجة حرية التعبير، لذلك يجب ألا يكف إعلامنا عن فصل حرية التعبير عما يجاورها ويلتبس بها من جور على قيمنا بالذات باسم هذه الحرية، ما يدفع إلى تعريف الحرية وضوابطها وحدودها ووظيفتها. أما التحدي الرابع، فهو فرض الإعلام الأجنبي قيما غربية على مجتمعنا في ظل السموات المفتوحة، فتزيغ أبصار بعضنا وتضيع أمامه مؤشرات الحقيقة، لذلك فإن إعلامنا يجب أن يقدم الحماية الواجبة لنا في إعلام يوجه إلينا ليحصن مناعة عقولنا وقيمنا.. كما يتوجه إلى الآخر كي يفهم الآخر أن لكلٍّ قيمه التي يجب احترامها، وهويته التي تجب صيانتها.