الإسكان .. التنمية الوعرة
إلى أي مدى سوف تسهم أنظمة التمويل والرهن العقاري بالإضافة إلى توحيد قيمة قرض صندوق التنمية العقاري وتحديده بـ 300 ألف ريال في كل المناطق مع عدم اشتراط ملكية الأرض وتفويض الصندوق العقاري بالتباحث مع المؤسسات المالية لإيجاد آلية تتيح زيادة الاقتراض منها لتعزيز تمويل قرض الصندوق بما يفي بمتطلبات المقترض لبناء مسكنه؟
وإذا كان قرار عدم اشتراط ملكية الأرض يعني إزاحة عقبة إجرائية للجميع لاستغلال الوقت، فسيظل ''تدبير'' الأرض معضلة يتطلب حلها فك احتكار الأراضي من خلال استدراج المساحات البيضاء الشاسعة منها والمعطلة لسنين طوال إلى السوق عن طريق جعل الاحتفاظ بها مكلفا بالرسوم السنوية ما قد يدفع أصحابها لإقامة مشاريع إسكان عليها أو طرحها للبيع ما يعيد الحراك الطبيعي لسوق العقار.
ومع ذلك يبقى التساؤل: هل ستؤدي هذه القرارات إلى الوفاء بما توقعت إنجازه خطة التنمية التاسعة وهو مليون وحدة سكنية خلال السنوات الخمس القادمة من 2010 إلى 2015؟ وهل أن الطلبات المتأخرة في صندوق التنمية والبالغة حاليا 500 ألف وحدة، بما يعادل نصف المتوقع، ستستفيد من هذه القرارات بحد أقصى أم ستعجز عن الوفاء بها، فما بالنا بالتطلع إلى تجاوز هذا الرقم بما يحقق سقف طلب الخطة الجديدة للتنمية؟
الإجابة عن تلك التساؤلات بصورة قاطعة بالإيجاب ستكون نوعا من المجازفة، لأسباب تاريخية من ناحية ولأسباب واقعية من ناحية أخرى.. تاريخيا فإن الطاقة الكلية للإنجاز في تنمية الإسكان خلال خطط التنمية السابقة، (30) عاما، كانت قد سجلت في محصلتها النهائية تفاوتا كبيرا جدا بين حجم الاحتياج وحجم المنجز، إذ بقي رقم الطلب يتزايد في كل سنة من سنوات الخطة، وبالتالي تراكم في محصلته النهائية ليصل في وقتنا الراهن إلى مليون وحدة سكنية حسب تقديرات خطة التنمية التاسعة، الأمر الذي يدفع بنا إلى البحث عن إجابات موضوعية.
إن صدور أنظمة التمويل والرهن العقاري يعد مسعى عمليا لحلحلة أزمة الإسكان لمساعدة المواطن على امتلاك مسكنه، لكن ذلك لا يخفي قلقا واقعيا بشأنها، فهذه القرارات وإن مثلت فرصة لتحقيق الحلم إلا أنه ينطبق عليها قول الشاعر: (ويلي عليك وويلي منك يا رجل).. طبعا الرجل هنا يعني الرجل الاعتباري (مؤسسة أو بنكا) الذي سيتولى التمويل والرهن العقاري للمواطنين، حيث سيشكل مقدار (الفائدة) على القسط الذي سيدفعه العميل على تمويل أو على رهن فيما لو ظلت الفائدة مركبة (الويل منه) وسيكون ذلك بمثابة تنفير من اللجوء إليه والإقبال عليه، أما (الويل عليه) فسيكون بقاء الحال على ما هو عليه بفقدان أنظمة التمويل والرهن العقاري، الصلاحية لمعالجة ما جاءت من أجله وتآكل قيمتها بانعدام الرغبة فيها طالما أنها لم تراع مقدار الفائدة وطريقة سداد التمويل أو الفرص والمدى الزمني المتاح أمام العميل للسداد على نحو لا يثقل كاهل المقترض، وفي الوقت نفسه، يحفظ للجهات حقوقها.
لقد كانت تجربة الإقراض في بنوكنا أثناء طفرة سوق الأسهم برهانا على أن أسلوب الفائدة المركبة لقي امتعاضا شديدا من قبل الجميع ممن أدركوا بعد انهيار المؤشر أنهم باتوا أمام ديون للبنوك لم يحسبوا لها حسابا، علاوة على مرارات ما فقدوه فيه.. ولعل هذه التجربة تعزز أهمية إعادة النظر في مقدار الفائدة وكيفية احتسابها عند الشروع في تطبيق أنظمة التمويل أو الرهن العقاري، مع ضرورة فك الاحتكار عن الأراضي لشفاء بلادنا من الاحتباس العقاري.. وحتما.. فإن بداية مسيرة صحيحة ستكون قوة دفع كبيرة في سباق تنمية الإسكان الوعرة لإنجاز الوحدات المطلوبة..