شكرا.. لقد حللتم مشكلة البطالة بين النساء!

بين الإطراء والمبالغة في الانتقاد تختفي مساحة من الحقيقة لا يكشفها إلا الاعتدال. ولا تخلو صحافتنا ومجالسنا ''ومعاريضنا'' ومقالي هذا من هذه النماذج الثلاثة؛ فغالبا ما نعرف إنجازاتنا، ولكننا نتجاهل في حالات كثيرة مشاكلنا والتحديات التي نواجهها. نجمع على الإطار ولكن الخلاف يتعمق عندما تبدو الصورة. المرأة، التعليم، البطالة، الاقتصاد، المشروعات الحكومية، الأداء الحكومي، وغيرها من ملفات الشأن العام، التي ربما نجمع على أهميتها ولكن لا نتفق على حقيقة المشكلة؛ ولذلك تتباين الأولويات والحلول.
اجتمعنا على أن ملف عمل المرأة لدينا يواجه مشكلة حقيقية، وأن لدينا نسبة بطالة عالية جدا بين الفتيات وصفت أحيانا بأنها محزنة، ولكن ماذا بعد ذلك؟ تعمقت خلافاتنا حول الحلول، وتحولت جميع القرارات والفتاوى المتعلقة بالملف، من ساحة الحلول إلى ساحة الخلاف الفكري حول الجملة والتفاصيل. أصبحت القضية تسير في طريق مختلف تماما؛ لأننا باختصار لا نعاني مشكلة عمل المرأة؛ وإنما نعاني مشكلة كيف ننظر للمرأة. دعونا نتفق في النظرة؛ وأعدكم أننا سنتفق في اليوم التالي حول الحلول!.
''تهرب'' الحلول من وضح النهار لتوضع في صفوف ''الكاشيرات''، وضحايا الخلاف ينتظرن في كل يوم شمعة أمل يتفضل بها المتخاصمون. شكرا، لقد حللتم مشكلة البطالة جذريا على أرقام حاسبات ''سوبر ماركت''، لكنكم حرمتم رواتبها المجزية! بيعي ما تريدين من كراتين الصابون وأكوام الطماطم، واتركي ما أرادوا من خفايا الملابس لمن يعرفون المقاسات جيدا! أنت على الطريق إلى الإدارة العليا ثم مجلس الإدارة، ولكن يجب أن نبدأ من الكاشير؛ لأنه أشبه بالصادر والوارد في الوظائف الحكومية، ومن سار على الطريق وصل.
أين تتراكم نسبة البطالة بين الفتيات؟ هل هي في خريجات الثانوية اللاتي لم يجدن مقعدا في الجامعة؟ أم هي في خريجات الجامعة اللاتي ينتظرن الفرج؟ مع خالص الاحترام للإحصائيات الرسمية، أنظروا داخل أسركم ومن تعرفون لعلكم تساعدون في حل ''مشكلة'' مشكلة البطالة بين النساء.
أعتقد أننا لا نواجه حلولا جذرية لهذه المشكلة؛ وإنما نحاول أن نتعايش مع المشكلة وندور حول مفاصلها وجذورها بتجارب هنا وتجارب هناك، نلهو بالخلاف وتبقى العاطلات خلف جدران الأمل، لعل خلافا جديدا يدفع بواحدة أو اثنتين منهن في زاوية جديد؛ بيد قرار وفي الأخرى فتوى؛ لتدور عجلة الخلاف من جديد. نحاول أن نجرب التجارب في القطاع الخاص؛ ولكن أين هي تجارب القطاع العام؟ أين هي ابتكارات الخدمة المدنية بعيدا عن شرط المحرم وإثبات محل الإقامة؟ ماذا فعلنا كي نعيد النظر في سن التقاعد أو التقاعد المبكر؛ لنمنح فرصة جديدة لخريجات مؤهلات؟
ما زالت الخيارات بين نظرتين متباينتين إحداهما تقوم على الغاية والأخرى تستهدف الوسيلة، ولا تجتمعان على حل. ستمضي سنوات كما مضت سنوات؛ ونحن ندور في الحلقة ذاتها وحول الخلاف ذاته. نعرف جيدا حقوق المرأة وواجباتها ونطيل الحديث عن أحكام الطلاق والنكاح وذمتها المالية كما جاءت في الشرع الحنيف؛ ولكن ما إن نقوم من مجالسنا حتى تتفرق بنا طرق التطبيق وتتعاظم مساحات الاختلاف من جديد؛ لأننا تناسينا في لقاءنا الأول أن نجيب عن أسئلة نحن نعرف أننا مختلفون حول إجابتها. أرجو ألا أعود يوما للكتابة عن محاولة أخرى لتوظيف المرأة في توصيل الطلبات للمنازل! ألا تستحق بناتنا وأخواتنا، أفضل مما نختلف عليه من سقط متاع الوظائف؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي