الشركات والإعلام الاجتماعي .. التجارب العالمية (4)

لم يعد الإعلام الاجتماعي المعتمد على الانتشار عبر مواقع الشبكات الاجتماعية وبناء الصورة الذهنية للشركات والتفاعل مع جمهورها عبر موقع ''فيسبوك'' وغيرها أمرا قائما على بعض الاجتهادات الفردية من إدارات العلاقات العامة، كما هو الحال حتى الآن في كثير من الشركات، بل يتحول الأمر سريعا لفن مقنن، وظهرت عدة دراسات لتثبت بقوة أن الاستثمار في هذا المجال له عائده الكبير على الشركات وخططها التسويقية.
واحدة من أهم الشركات العالمية التي أعلنت خططها في مجال الإعلام الاجتماعي هي شركة كوكاكولا، التي أعلنت خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إعادة هيكلة إدارة التسويق في المجموعة لتتناسب مع ثورة الإعلام الاجتماعي بعد أن حاولت قياس أثر حملاتها من خلال ''نقاط التواصل'' Connections لترى أن الإعلام الاجتماعي أفرز نتائج أفضل بكثير من الإعلان الكلاسيكي والإعلان المدفوع على مواقع الإنترنت (خذ مثلا تحقيق 150 مليون زيارة شهريا على فيديوهات لها علاقة بـ ''كوكاكولا'' على موقع يوتيوب).
المميز في تجربة ''كوكاكولا'' أنها اكتشفت أن المحتوى المميز والمتناسب مع تطلعات جمهور الإنترنت هو ما يصنع الفرق، وبدأت في الاستثمار في هذا المجال من خلال إعلانات يستمتع الجمهور بمشاهدتها (ولا يهرب منها)، وضخ هذه الإعلانات على ''يوتيوب''. قبل نحو ستة أشهر شاركت في لجنة تحكيم لجائزة دولية متخصصة في مجال الإعلام الجديد اسمها Content 360 في فرنسا، وكان أحد فروع الجائزة استخدام المحتوى المميز بشكل إعلاني Branded Content والموجه لفئة المراهقين، وجاء تمويل الجائزة والمسابقة من شركة كوكاكولا التي أرادت بكل شكل تحفيز الأفكار الخلاقة في هذا المجال؛ لأن استراتيجيتها تقوم بشكل أساسي على استخدام هذا المحتوى في الوصول للجمهور من خلال مختلف وسائل الإعلام الاجتماعي.
تجربة ''كوكاكولا'' تعتبر مهمة جدا لأنها كما يقول الصديق ومسؤول التسويق اللامع خالد طاش أهم محاولة (وربما الأولى من نوعها) لشركة تعتمد في نجاحها وآلياتها على تسويق علامتها التجارية ومنتجاتها على دخول الإعلام الاجتماعي والاستثمار فيه.
في الأسبوع الماضي استعرضت تجربتي ستاربكس وتويوتا اللتين تصدرتا الشركات الأمريكية في هذا المجال، وأتناول هنا بسرعة ما يميز تجربتي شركتي التكنولوجيا ساب SAP وديل Dell، اللتين جاءتا في المركزين الثالث والرابع من حيث الاهتمام بالإعلام الاجتماعي.
''ساب'' SAP تعتبر إحدى شركات التكنولوجيا في العالم، التي تركز على حلول الأعمال ولديها مجتمع من المبرمجين الذين يعملون على برامج وحلول ساب في مختلف شركات العالم، وتضم شبكة مجتمع ساب SAP Community Network، التي تضم مليونا و700 ألف شخص. بالنسبة لـ ''ساب'' كان من المهم إيجاد تفاعل قوي مع هذا المجتمع الضخم، وكان هذا صعبا من خلال فريق من 25 شخصا يدير الشبكة؛ ولذا لجأت إلى عدد من الحلول الإبداعية، منها جعل مواقع الشبكة مفتوحة للمشاركة مع أقل حد من القيود، فهناك مثلا خمسة آلاف مدون لديهم قدرة على المشاركة في مدونات ساب بحد أدنى من الرقابة، كما أن هناك نظاما للنقاط والمكافآت للأشخاص النشطين على الشبكة، كما تشجع الشركة موظفيها على المشاركة الفاعلة في الشبكة بحد أدنى من الرقابة أيضا؛ ولذا توجد مئات المشاركين من الشركة في التفاعل مع الجمهور، وطبقت ''ساب'' استراتيجيات مشابهة في التعامل مع الجمهور عبر الإعلام الاجتماعي، بما حولها إلى الشركة التكنولوجية الأفضل في استخدام الإعلام الاجتماعي.
شركة ديل Dell في المقابل لديها حكاية أخرى، خاصة أن الإعلام الاجتماعي والتفاعل مع الجمهور كان وسيلة أساسية لـ''ديل'' في التعامل مع عدد من الأزمات المرتبطة بأجهزة الكمبيوتر التي تنتجها. ''ديل'' أيضا حاولت بناء برنامج علاقات عامة مميزا مع كل المدونين والكتاب في الإعلام الجديد الذين يكتبون عن ''ديل'' وعن أجهزة الكمبيوتر، مشابه في بنيته الأساسية ببرامج العلاقات العامة مع الإعلاميين. ما ميز ''ديل'' هو اعتمادها المكثف على الحوار مع الجمهور، وفتح قنوات التواصل المتبادل، وهو أمر ما زالت كثير من الشركات تخاف منه لأنه يعني ضعف التحكم في الرسائل التي يتم بثها من خلال الإعلام الاجتماعي. أضف إلى ذلك، شجعت ''ديل'' موظفيها على تخصيص من 20 إلى 30 دقيقة من ساعات عملهم اليومية للتفاعل عبر موقع تويتر.
في الأسبوع المقبل سأتحدث عن بعض المبادئ المهمة للنجاح في الإعلام الجديد لمن رغب في التطبيق والتطوير والتفاعل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي