قوانين السعادة .. إياك أن تكسرها
للسعادة أسباب شرعية وأخرى كونية، وجماع الشرعية: توحيد صحيح يثمر إيمانا عميقا وحسن ظن بالله ثم نقاء سريرة وخمس صلوات في اليوم والليلة، وبها تفوز باطمئنان الدنيا وجنة الآخرة.
أما الأسباب الكونية فبقدر تحصيلها تزداد السعادة طردياً.. وقد اخترت لك عزيزي القارئ ما ليس له علاقة بوضعك الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي حتى لا تتحجج بأعذار، ومنها:
1ـــ النوم.. النوم.. النوم، فإنك لو تملك كنوز الأرض أو من كبار عباد الله الصالحين ولا تأخذ كفايتك من النوم (ثماني ساعات في اليوم) على أن تدرك أوسط الليل وآخره، وغفوة العصر لمدة ثلاثين دقيقة، فلا تلومن إلا نفسك إذا شعرت بالتوتر والإرهاق وسرعة الانفعال وآلام المفاصل وقلة الرغبة في الطعام؛ ذلك أنك عاكست ناموس الكون فدفعت الضريبة، قال تعالى: ''وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)'' النبأ.
2ـــ ممارسة الرياضة أصبحت ضرورة، فالمواظبون عليها ثلاث مرات في الأسبوع ويحرقون 2000 سعر حراري حسب دارسة علمية صادرة عن جامعة هارفرد، أظهرت أنهم تنخفض لديهم معدلات الإصابة بأمراض القلب، ويعانون قدرا أقل من التوتر والاكتئاب والإمساك ونوبات الصرع، كما أنهم يظهرون ثقة أكبر بأنفسهم. إن شدة التمرينات تعمل على تقوية العظام والعضلات، ويقل تعرض النشطاء من الرجال لمرض هشاشة العظام أو ضمور العضلات ويعيشون حياة أطول.
في حين أظهرت دراسة أخرى من جامعة جنوب كاليفورنيا أن الرياضة ترفع من مستوى ''هرمون النورإبينفرين أو النور أدرينالين'' في المخيخ، وهذا الهرمون مشهور بأن له تأثيرا مهدئا ومدخلاً للسرور.
3ـــ أعطِ ثم خذ.. جاء الفرس إلى الهند ونزلوا بالشاطئ الغربي، وكان ''يادورانا'' هو ملك ''غوجرات'' فتقدم زعيمهم إلى الملك طالباً منه التوطن في رحاب دولته، ورداً على سؤاله قدم له الملك كوباً مليئاً بالحليب، وكان هذا يعني أن دولته مليئة بالفعل بالبشر وليس هناك متسع للمزيد، ولم يردّ زعيم الفرس على هذا الكلام بل أخذ ملعقة من السكر فحركها في الكوب ثم أعاده إلى الملك، وكانت هذه إشارة بلغة الرموز إلى أننا لا نرمي إلى الاستيلاء على حليبكم بل سنزيد من حلاوته، وأننا سنزيد من حلاوة الحياة في بلدكم، ولقد مر على هذه الواقعة أكثر من ألف سنة، ويقول لنا التاريخ إن ما قاله زعيم الفرس قد حققه العامة من قومه، فلم يرفع الفرس لواء الاحتجاج والمطالب، بل عملوا على رقيه بالجهد الصامت الدؤوب، وقد بذلوا جهداً أكثر من جهود الآخرين، فتقدموا في مجالات التعليم والتجارة والصناعة، فزادوا من ثروة البلاد ورقيها.
أكثر شيء أتذكره من دراستي في المرحلة الابتدائية درس (طه والطبلة) من مادة المطالعة ودرس (زرع حصد) من مادة القراءة.. إنه زرع حصد، وليس حصد زرع!
4ـــ اعرف أن الحياة مليئة بالسلبيات وجلّها وهم وخيالات ومليئة بالإيجابيات، وأنك مهما فعلت فلن تقضي على السلبيات، لأن الله عز وجل يقول: ''لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ'' (4) البلد، وما يمكن أن تفعله هو أن تقضي على بعض المشكلات فتحجّم من السلبيات وتحتسب في الباقي وتتعايش معه ثم تضخم الأشياء الجميلة في عقلك الباطن، وهي مهارة يتعلمها المرء في حياته بصعوبة، ثم تتحول إلى رياضة نفسيه وعادة تلقائية، يقول د. ميرفي في كتابه ''قوة عقلك الباطن'': ''هناك طريقة رائعة للإعلام بوظيفة عقلك ألا وهي: أن تنظر إليه كحديقة وأنت بمثابة بستاني تلك الحديقة تقوم ببذر البذور ''الأفكار'' في عقلك الباطن طوال اليوم''.
ويقول السيد وحيد خان: نظر شخصان عبر نافذة واحدة، أحدهما رأى الوحل والآخر شاهد النجوم.
والشيء نفسه عبر عنه آخر بقوله: الفرق بيني وبينك هو الفرق بين شخصي وشخصك؛ فأنت تسمع غلق الباب وأنا أسمع فتحه.
5ـــ اجعل حياتك ''ثرية'' بالمتع الصغيرة، كمشاهدة فيلم كوميدي كـ ''Click'' أو تاريخي ملهم كـ ''Brave Harte'' أو عشاء فاخر مع من تحب أو قراءة رواية شيقة أو مجلات أسبوعية اجتماعية أو سفر قصير تكسر فيه الملل أو حصولك على برنامج للعلاج الطبيعي ''SPA'' أو دعوة أصدقاء لطفاء إلى المنزل أو الاسترخاء على شاطئ البحر أو سكون في مزرعة أو برية بعيداً عن الضوضاء، أو أن تكافئ ذاتك فتشتري هدية ثمينة لنفسك، بمعنى آخر لا تجعل حياتك رهينة انتظار حدث مفرح كبير، الذي لن يحصل عليه سوى صاحب المتع الصغيرة حينما انتشت روحه المعنوية، فأقبل على العبادة والحياة والعمل، بينما أنت سئمت ثم ضجرت فسقطت في منتصف الطريق.
6ـــ اكتسب أصدقاء جددا، فإنهم محركو التغيير، وسيضخون إليك خبرات وتجارب وحوارات وتطلعات وطموحات جديدة، فرب صديق فتح لك باباً إلى الجنة أو الرزق أو علو الهمة، واحرص على الكريم منهم واستثمر فيهم كما تستثمر في العقارات والأسهم أو مسارك المهني، ولكي تحافظ عليهم فعليك أن تضع بينك وبينهم مسافة معقولة، وأنصحك بألا تدخل معهم في شراكة مالية وتجارية طويلة الأجل، لأن التجارة قائمة على المشاحة، يقول وحيد خان: ''شاهدت لافتة على أحد شوارع دلهي وكانت تقول: حافظ على المسافة ''Keep Distance'' أي حافظ على مسافة معقولة مع السيارة التي تسير أمامك، هذا الإرشاد المروري يحتوي على حكمة بالغة تتعلق بمسيرة الشوارع وبمسيرة الحياة في آن واحد، ''فالإنسان لا يعيش وحيداً في هذا العالم بل هو يقضي حياته محاطاً بعدد كبير من البشر، وكل إنسان يحمل بعض الأماني، وكل إنسان هنا يريد أن يسبق الآخرين في مسيرة الحياة''.
7ـــ لا تقضِ عليك التوافه.. إن متوسط الأعمار بين السبعين والثمانين سنة، ثلثها يذهب في النوم، بافتراض أنه ينام ثماني ساعات خلال الأربع والعشرين ساعة في اليوم، وثلثها يذهب في سن الطفولة وأول الشباب، حيث لم يدرك حقيقة الحياة، وللتو خرج من معاناة المراهقة، التي ذهبت في كدر وصراع مع الذات والأسرة والمحيط الخارجي، والثلث الباقي الأخير ثلثه سيذهب في اعتنائك بصحتك والخوف من الموت وكيف تتمسك بالحياة، أي أن زهرة حياتك الحقيقية هي تراوح بين عشرين وخمس وعشرين سنة، فمن المعيب أن تقضيها في شكوى ولوم وتبرم وانفعال لأشياء تافهة.. اغنم عمرك وركز في الأشياء الكبيرة والكبيرة فقط.
8ـــ قنن استخدامك الهاتف أو الجوال وأغلقه وقت راحتك أو قراءتك أو اجتماعاتك المهمة أو لقاءاتك العائلية، ثم لا تشاهد التلفزيون لساعات طويلة، وإذا شاهدته فابتعد عن الأخبار السيئة أو البرامج المؤلمة، فإنها تسقي العقل الباطن دون وعي منك.
واحذر أن تجالس الشخصيات السلبية التي تنقل الإحباط والغيبة والنميمة والبهتان والشكوى والقيل والقال، ولا تقل أنا مستمع فحسب، بل ستذهب كل تلك الأخبار معك إلى فراش النوم.
9ـــ اعتنِ بجمالك وأناقتك وهندامك، ما يحقق لك الانطباع المميز ويبعث في نفسك الثقة والرضا، قال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم: ''إن الله جميل يحب الجمال'' رواه مسلم، وما يدخل البهجة والسرور هو العناية بجسمك والاغتسال لمدة ثلاثين دقيقة على الأقل يومياً، فنحن في بلد حار وفي أجزاء منه يكثر الغبار والعوالق الهوائية، والعناية بسنن الفطرة ومنها الحلاقة أسبوعياً مع تقليم الأظافر ثم بالغ في الطيب.
10ـــ اهتم بصحتك، بالطعام المتوازن والنوعي، ولا بأس بقليل من زيت الزيتون أو خل العنب أو الريحان والحبق تضعه على وجباتك، وابتعد عن الوجبات المشبعة بالدهون، وبادر بالعلاج إذا مرضت عند أفضل الأطباء بحسب قدرتك، وأجرِ فحوصاً دورية ولا تركن إلى علاج سابق، فالطب يتقدم بشكل هائل، كما أن جسمك قد يتعود على العلاج فتضعف كفاءته، وادخل في معركة لا هوادة فيها مع السمنة، فهي مجلبة لأمراض العصر ومنها القلب والضغط والسكري والضعف الجنسي، ليس هناك مجال للشك في أن الصحة والطعام لهما أثر بالغ في النواحي النفسية والعاطفية للإنسان. يقول الشيخ محمد الغزالي ـــ رحمه الله ـــ: ''إن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية؛ فهو يتطلب أجساماً تجري في عروقها دماء العافية وتملأ أصحابها فتوة ونشاطاً، فالأجسام المهزولة لا تطيق عبئاً، والأيدي المرتعشة لا تقدم خيراً، وللجسم الصحيح أثر، لا في سلامة التفكير فحسب بل في تفاؤل الإنسان مع الحياة والناس''.
11ـــ ثابر في تحصيلك العلمي والمعرفي والثقافي، وإياك أن تتوقف، فالعقل يحتاج إلى الغذاء فيسعد، فاحرص على صناعة مشروع إكمال المراحل العلمية ولو بالانتساب، واقتنِ الكتب الجديدة، سيما تلك التي في مجال تخصصك أو مواهبك الفطرية أو إدارة الذات والنجاح والثروة، والتحق بالدورات التدريبية، واحضر المؤتمرات والمعارض والملتقيات والندوات والصالونات الثقافية.
كل ذلك سيؤدي بك إلى حياة نامية متجددة بفعل العقل، وإياك وأفكارك البالية المتحنطة، فكلما كبر جسمك لا بد أن يكبر عقلك، فتغير بعض قناعاتك، وإن أبيت فستموت موتاً سريرياً.. عايش وما أنت عايش.
12ـــ اقضِ على التردد في حياتك واتخذ قرارات حدية وجدية ولو فيها بعض من الألم وعواقبها سعيدة، فإن التسويف يعمق المشكلات ويفوت الفرص، فمن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، يقول الإمام ابن القيم في كتابه ''الفوائد'': ''طالب النفوذ إلى الله والدار الآخرة، بل وإلى كل علم وصناعة ورئاسة، بحيث يكون رأساً في ذلك مقتدى به فيه، يحتاج إلى أن يكون شجاعاً مقداماً حاكماً على وهمه، غير مقهور تحت سلطان تخيله، زاهداً في كل ما سوى مطلوبه، عاشقاً لما توجّه إليه، عارفاً بطريق الوصول إليه والطرق القواطع عنه، مقدام الهمة ثابت الجأش، لا يثنيه عن مطلوبه لوم لائم ولا عذل عاذل، كثير السكون، دائم الفكر، غير مائل مع لذة المدح ولا ألم الذّم، قائماً بما يحتاج إليه من أسباب معونته، لا تستفزه المعارضات، شعاره الصبر، وراحته التعب، محباً لمكارم الأخلاق، حافظاً لوقته، لا يخالط الناس إلا على حذر، قائماً على نفسه بالرغبة والرهبة، طامعاً في نتائج الاختصاص على بني جنسه، غير مرسل شيئاً من حواسه عبثاً، ولا مسرحاً خواطره في مراتب الكون، وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحالة بينك وبين المطلوب''.
أيها السعوديون.. فالكم عيد سعيد، وكل عام وأبو متعب والبيرق وأنتم بألف خير، ويرجّع الله أبو خالد وأبو فهد سالمين غانمين.