مَنْ حَضَّرَ عِفْريتَ البطالة؟! (4)

في الجزء الماضي من المقال دار الحديث عن وسائل العلاج أو الحلول التي يمكن للمؤسسات التعليمية الأخذ بها كي تشارك بنصيب ما في الحد من مشكلة البطالة، ثم تطرق الحديث بعد ذلك إلى المحطة الثالثة والممثلة في الإعلام، إذ تم عرض خمسة أسباب، أري أنها تشكل - بطريقة ما - إسهامات وسائل الإعلام في تكريس مشكلة البطالة، وقد ذكرت البنود الخمس في البند أولاً..!.

ثانياً: وسائل العلاج:

(1) قدرة الإعلام على تشكيل أفكار الناس، تجعله في مقدمة المؤسسات المنوطة بحض الشباب على العمل من خلال برامج تثقيفية تُعلى من قيمته، وتشرح تأثيراته الإيجابية على المستوى الفردي والجماعي، كذا تبيان التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، والقطاعات التي تحتاج إلى وظائف، من خلال عرض شفاف وصادق للمعلومات.

(2) بث روح العزيمة والأمل لدي من يبحثون عن عمل بتسليط الضوء على الإيجابيات المُحفزة على الاجتهاد وتطوير الذات لتلبية حاجة سوق العمل لمهارات معينة، وذلك لنشر ثقافة الاعتماد على النفس ونبذ الاتكالية واللجوء إلى الوساطة والمحسوبية.

(3) عرض السير الذاتية للعصاميين - من علماء وباحثين ومفكرين ورجال أعمال - الذين نحتوا الصخر لبلوغ القمة، والذين بنوا أنفسهم بأنفسهم بدءاً من نقطة الصفر، لكن بالإرادة والعزيمة والأخذ بناصية العلم، والاستفادة من تجارب الغير، حققوا شيئاً مرموقاً يُشار إليه بالبنان.

(4) الخطاب الديني المُمعن في الرقائق يجب أن يتغير ليكون خطاباً للحياة، فلا معنى لخطاب يفصل بين الدنيا والآخرة، أو يجعل منهما عدوتين، فمن أراد الأولى ترك الثانية، ومن أراد الثانية ترك الأولى!.. يجب أن يربط الخطاب الديني بين الدنيا والآخرة برباط وثيق، بل يجب أن يجعل منهما طريق واحد يبدأ بالدنيا وينتهي بالآخرة، إذ لا إدراك للآخرة إلا عن طريق الدنيا، لما في ذلك من تحفيز للهمم والعزائم لتسعى وتعمل وتُعَمِّر.

(5) ليست المهمة الوحيدة لوسائل الإعلام هي كشف السلبيات والتأكيد عليها، بل وتضخيمها أحياناً، لكن الإنصاف يقتضى ذكر الإيجابيات وتوضيحها أيضاً، وأقصد أن تُعرض المعلومات بحيادية وشفافية، بلا توابل ولا تجميل.

(6) الدعوة دائماً إلى تدريب الكفاءات الوطنية على أحدث نظم الإدارة، ثم توطين هذه الكفاءات وتمكينها وإعطائها كامل الفرصة للتعبير عن قدراتها، لتثبت أنها لا تقل كفاءة عن العمالة الأجنبية، بل ربما تتفوق!.

## المحطة الرابعة والأخيرة: الفرد

كل بالغ عاقل قادر، يُعد - وفقاً لكافة المقاييس - رجلاً، يجب أن يتحمل مسئولية نفسه على الأقل في جانب المأكل والمشرب والملبس والنفقات الشخصية، ولا يوجد لأي قادر على العمل والكسب عذراً يبرر جلوسه في البيت ينتظر وظيفة ذات وجاهة وراتب، تهبط عليه من السماء فجأة، كي تتحقق أحلامه وطموحاته في الحياة!.

ليس من الرجولة أن يقبل شاب فتي عفي إنفاق والده عليه، بينما هو غارق في إهدار الوقت والجهد لعباً وسهراً ونوماً، ثم يشتكي قلة الحيلة وندرة الوظائف ودور الوساطة، إنْ واجهه ناصح بحاله!.

إن مسئولية المرء عن نفسه تبدأ من نقطة اكتماله بدنيا وعقلياً، ولا يجور أن يبقى «هالوكياً» معتمداً على عائل في كسائه وغذائه وسقائه ،مُدعياً أن خطاب التعيين لم يصل إليه، أو لا توجد وظيفة تتفق مع تخصصه، أو تتوافق مع طموحه، أو أن الوظائف المتميزة أضحت قاصرة على شريحة ضيقة تجِدُ من يساندها ويتوسط لها.. الخ.

كل هذه مبررات لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأن سوق العمل اليدوي أو الحرفي مفتوحٌ على مصراعيه، وليس عيباً ولا عاراً أن تُمارس عملاً حرفيا أو يدويا ما دام حلالا ويُدِرُّ دخلاً حلالاً، حتى حين، فأفضل خلق الله وهم الرسل مارسوا حرفاً يدوية.

نوحٌ - عليه السلام - كان نجاراً، داود - عليه السلام - كان حداداً، موسى - عليه السلام - كان راعياً، إدريس - عليه السلام - كان خياطاً، محمد - صلى الله عليه وسلم - كان راعياً وكان تاجراً، فلا هوانَ بالتالي في ممارسةِ عمل يُغنيك عن السؤال، حتى ولو كان إلى أقرب الناس إليك.

قال على بن أبى طالب رضي الله عنه:

لَحَمْليَ الصخرُ من قمم الجبال
أحبُّ إلىّ من منن الرجال
يقولُ الناسُ في الكسب عارٌ
فقلتُ: العار في ذي السؤال.

إن النّملة، وهي المخلوق الضعيف، لا تعجز عن تدبير مأكلها ومشربها ومسكنها، فكيف تعجز يا من جُعِلتَ خليفة في الأرض؟!.

وبعد، فإني لأرجو أن أكون قد وفقت في تحضير بعض «الوصفات» اللازمة لصرف هذا الشبح الكئيب الذي خيم أو كاد أن يُخيم على كثير من البيوت، متمنياً لكل طاقات الأمة مستقبلاً زاهراً تتألق فيه طاقاتهم وإبداعاتهم.

والله من وراء القصد.

* عبد القادر مصطفى عبد القادر- باحث في علم الإحصاء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي