الاستراتيجية الغائبة عن صناعة البتروكيماويات وتكالب الظروف المستقبلية

في الوقت الذي تشهد فيه صناعة البتروكيماويات في المملكة انتعاشاً كبيراً مع ارتفاع الحصة السوقية في الأسواق العالمية إلى أكثر من 8 في المائة، مع تحسن واضح وكبير في ربحية الشركات البتروكيماوية السعودية بدأت تظهر علامات التثبيط وإعاقة الصناعة من أطراف كثيرة. ولعل أولها الغموض الذي يكتنف غاز اللقيم لصناعة البتروكيماويات ومدى قدرة ''أرامكو'' على اكتشاف مزيد من الغاز في الحقول المحددة تحت ''مبادرة الغاز'' في 2001 التي لم تتضح معالمها حتى الآن، حيث كان آخر تخصيص للغاز لشركة سبكيم في 2006، وآخر ما حصلت عليه ''سابك'' من غاز كان في 2005، ناهيك عن أن المحفز الرئيس لقرار ''سابك'' للاستحواذ على حصة 35 في المائة من شركة كيان كان امتياز الغاز التي حصلت عليه ''كيان'' من ''أرامكو''. والعامل الثاني، ما يدور في أوساط الصناعة البتروكيماوية بأن الحكومة السعودية تفكر في رفع الإعانات المقدمة للقيم بحلول 2012، ما يجعل الصناعة البتروكيماوية تدخل حيز المنافسة الشرسة، مع ما قد يطرأ على ذلك من تعديل تقني لتتواءم الصناعة بين خياري النافتا واللقيم من أنواع الغازات الأخرى (الإيثين والميثين، والبوتين، والإيتين). وتأتي قضايا الإغراق التي تتعرض لها الصناعة البتروكيماوية السعودية من أهم التحديات التي تواجه الصناعة. فإذا كانت صناعة البتروكيماويات هي العائق الأكبر أمام الاتفاق على منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، فإن قضايا الإغراق التي تدعيها دول عدة (الهند، الصين، باكستان، تركيا، والاتحاد الأوروبي) مع ما يواكبها من سياسات حمائية تبقى من أهم العوائق أمام رفع حصة الصناعة البتروكيماوية في الأسواق العالمية.
وفي اعتقادي أن هناك غموضا واضحا يلتف حول تلك الصناعة بسبب عدم وجود استراتيجية وطنية واضحة لصناعة البتروكيماويات, فبينما كان القطاع الخاص محروما من الاستثمار في ذلك القطاع سمح له بالاستثمار في منتصف التسعينيات الميلادية في منتجات المشتقات البتروكيماوية (الداون ستريم) مثل البوليمرات والبنزين، وغيرهما من مشتقات المشتقات لهذه الصناعة التي تتسم بتقنية عالية وبهوامش ربحية أقل من الصناعات الأساسية التي بقيت حكراً للشركة الأم ''سابك''. ومع انتعاش هذه الصناعة، فاجأتنا ''أرامكو'' بالدخول في تلك الصناعة أخيرا، لتخلق مزيداً من المزاحمة للقطاع الخاص. ناهيك عن أن التفكير الجدي في استكشاف الغاز غير المصاحب لم يبدأ إلا بعد سنة 2000 عندما طرحت الحكومة ''مبادرة الغاز الكبرى'' التي مرت بمفاوضات مضنية مع الشركات الأمريكية باستثمارات بنحو 25 مليار دولار انتهت بعدم الاتفاق بعد نحو ثلاث سنوات من المفاوضات العسيرة، انتهت بالتحول إلى شركات الصف الثاني من دول مثل روسيا وإيطاليا والصين، وما زالت الاستكشافات الفعلية لم تظهر للعلن حتى الآن، على الرغم من التفاؤل الذي يبديه وزير النفط السعودي من قدرة المملكة على رفع إنتاجها من الغاز. حيث قال إن إنتاج المملكة من الغاز الخام بلغ 1.654 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم سنة 1981. وبلغ الإنتاج 8.800 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم في سنة 2009، ونتوقع أن تصل مستويات الإنتاج إلى 13.000 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم بحلول عام 2020. كما قال إن ''أرامكو'' السعودية تسعى إلى اكتشاف ما لا يقل عن خمسة ملايين قدم مكعبة إضافية من احتياطيات الغاز غير المرافق سنويا. ورغم هذه الأرقام، فإننا لم نسمع باكتشافات جديدة أو تخصيص جديد للغاز لأي من المشاريع البتروكيماوية.
كل ما سبق يجعلنا ندعو إلى ضرورة رسم خطوط عريضة واستراتيجية واضحة لصناعة البتروكيماويات تمنع مزاحمة القطاع الحكومي و''أرامكو'' هذا القطاع، على أن تبذل ''أرامكو'' جهوداً كبيرة في إنتاج الغاز غير المرافق لتعزيز هذه الصناعة، مع الاستمرار في تشجيع القطاع الخاص, الذي أثبت جدارة عالية في هذا المجال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي