مبادرة راتب الـ 5000 ريال تحتاج إلى 5 تجار فقط
لم يوظف القطاع الخاص إلا 10 في المائة من السعوديين. هذه نتيجة مخيبة للآمال بعد رحلة شاقة وطويلة على طريق مشروع السعودة, الذي يبدو أن إنجازه لن يكون بقرارات حكومية مهما بلغت صرامتها، فلقد مضى ردح من الزمن في طريق أنظمة وتعاميم لا مجيب لها سوى صدها. وحتى أولئك الـ 10 في المائة الذين وجدوا ''شبه'' فرصة في القطاع الخاص تتدنى رواتبهم بشكل خطير إلى مستوى يجعلهم يعيشون دون حد الكفاف بينما تعلن شركاتهم أرباحا ضخمة في زمن الطفرة والإنفاق الحكومي غير المسبوق. نحن اليوم في حاجة إلى شراكة اقتصادية فاعلة، ولعل في المبادرة التي أطلقها الدكتور عبد الله بن محفوظ بداية حقيقية لخطوة صحيحة نحو شراكة واعدة بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال. نحن في حاجة إلى أشبه ما يكون بصيغة جديدة للنظرية الرأسمالية تتناسب مع واقعنا الاقتصادي الغريب.
لقد مضى العالم الأوروبي قرون وهو يئن تحت سطوة الرأسماليين الذين صيغت لهم ولتبرير جشعهم نظريات اقتصادية ترى العامل كجزء من منظومة الإنتاج وسلعة تحكمها عوامل العرض والطلب. وكنتيجة حتمية ــ لتلك النظرية ــ فإن أجور العمال تنخفض كلما زاد عددهم حتى تصل حد الكفاف أو أدنى (وهو ما يبقى العامل على قيد الحياة فقط). بل ذهب منظرو الرأسمالية في تلك الحقب إلى ما هو أسوأ وأخطر حيث حملوا العمال ''أنفسهم'' مسؤولية انخفاض أجورهم حتى دون حد الكفاف، ذلك لأنهم يتناسلون ويتكاثرون ويزداد عددهم بلا حساب بينما الأعمال في السوق محدودة وبذلك يزيد عرض العمال وتقل الفرص وتنخفض الأجور بشكل حاد ومستمر. لحل ذلك ــ وفقا للرأسمالية الكلاسيكية ــ ظهرت الدعوات للحد من النسل وبقيت النظرية الاقتصادية على هذا التفسير الذي يبرئ أصحاب رؤوس الأموال من جريمة انخفاض الأجور ويلقيها على عواتق العمال المقهورين حتى ثار العمال على النظرية نفسها وصنعوا نظريتهم الخاصة التي سموها الاشتراكية. ومع أن الأمر مختلف جدا لدينا, فالعمال يتكاثرون, لكن ليس بالنسل, بل من خلال ''الاستقدام'', وهو ما لم تنظر إليه النظرية الرأسمالية ولا الاشتراكية وبذلك لم نجد له حلا فيهما، ولم يزل العمال السعوديون (وحدهم) يتحملون المسؤولية الاقتصادية كاملة عن حالة تكاثر العمال في المملكة وتنخفض رواتبهم حتى دون حد الكفاف (1800 ريال شهريا). بالطبع وكما يفسره التاريخ وليس النظرية, فإن العمال سيصابون بالإحباط وعدم الرغبة في العمل ومن ثم التسيب والنقمة على أصحاب رؤوس الأموال، وإذا كانت الرأسمالية في نسختها الأوروبية قد انتهت إلى التصادم مع العمال حتى فرض العمال كلمتهم نظرا لعدم وجود البديل الجاهز، فإن الوضع مختلف تماما لدينا, فإن اكتأب العامل السعودي من عمله وأجره وأضرب وجلس في بيته، فإن عاملا أجنبيا سيكون جاهزا فورا ليأتي رد رجال الأعمال بالفصل المؤيد من مكتب العمل، فالعامل السعودي متسيب ويغيب عن عمله والنظام صريح.
التاجر الصادق ليس له جزاء إلا الجنة، هكذا علمنا الذي لا ينطق عن الهوى، رسول الرحمة ــ صلى الله عليه وسلم. لن يكون هناك حل قريب لمعضلتنا إلا بشعور رجال الأعمال بالمسؤولية التاريخية، لذا أحيي الدكتور عبد الله بن محفوظ, وهو من كبار رجال الأعمال الذي تحمل المسؤولية وأطلق مبادرة بدأها بنفسه، ''ألا يقل أجر العامل السعودي عن خمسة آلاف ريال شهرياً''، وذلك لمساعدة الشباب السعودي على تحمل ضغوط الحياة المعيشية التي لن يتمكنوا مواجهتها بالرواتب الضعيفة التي يحصلون عليها من القطاع الخاص ما يجعلهم في معاناة مستمرة لا تمكنهم من الإنتاج بما يتناسب مع متطلبات القطاع الخاص. هذه هي المسؤولية والشراكة الحقيقية في أوضح وأجلى صورها.
لكن مبادرة بهذا الحجم لن يظهر لها أثر بمجرد تبنيها من رجل أعمال واحد فقط، المبادرة تحتاج إلى دعم من كبار رجال الأعمال والشركات السعودية العاملة، فرجال الأعمال المخلصون لدينا كثيرون ينتشرون في جميع مدننا ومحافظاتنا، هناك من لهم بصمات واضحة جدا في مسيرة بناء هذا البلد, وللبلد فضل كبير عليهم, ويتطلع إليهم اليوم لدعم مسيرة شبابه, كما دعم مسيرة شبابهم، هناك من رجال الأعمال من يقدم التبرعات السخية كأوقاف ولو خصص من تلك الأوقاف شيئا لدعم رواتب الموظفين السعوديين في شركاته لكان له خيرا الدنيا والآخرة ـ بإذن الله عليهم. هذه دعوة من خلال هذا المنبر إلى كل الأوفياء والمخلصين لهذا البلد لتبني مبادرة الخمسة آلاف ريال كحد أدنى للموظف السعودي.