يهودية إسرائيل وقَسَم الولاء

تزايدت خلال السنوات القليلة الماضية تصريحات قادة إسرائيل ومسؤوليها، بمختلف توجهاتهم السياسية، المتضمنة مطالبتهم بأن يعترف الفلسطينيون والدول العربية بإسرائيل (كدولة يهودية) كشرط ضروري لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي مؤتمر أنابولس الذي انعقد عام 2007، تبنى الرئيس السابق جورج دبليو بوش المطلب الإسرائيلي؛ فقال في خطابه الذي ألقاه في هذا المؤتمر: ''إن إسرائيل هي الوطن القومي لليهود مثلما ستكون فلسطين وطنا قوميا للفلسطينيين''. وخلال زيارته منطقة الشرق الأوسط بعد المؤتمر المذكور دعا الرئيس بوش إلى الاعتراف (بمبدأ) يهودية دولة إسرائيل وتحويل هذا المبدأ إلى التزام تعاقدي في اتفاق السلام الفلسطيني ـــ الإسرائيلي المنتظر.
ويسعى قادة إسرائيل، من خلال المطالبة بالاعتراف بيهودية دولتهم، إلى تحقيق هدفين مهمين، هما:
1-إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ممتلكاتهم وديارهم التي شُرّدوا منها عقب إعلان تأسيس إسرائيل في 15/5/1948.
2-ترحيل مواطني إسرائيل من العرب الذين بقوا في ديارهم ولم يغادروها عام 1948، إلى الدولة الفلسطينية المطلوب دوليا إقامتها.
رفضت منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية مبدأ (يهودية إسرائيل) وقال محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي لفني: ''أطلقوا على إسرائيل ما شئتم من الأسماء، فهذه دولتكم، لكن لماذا تريدون اعترافنا؟ لماذا تحرجونا مع أهلنا الفلسطينيين سكان إسرائيل؟''.
وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية لمدة محددة مقابل اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، أي أن نتنياهو يريد أن ينتزع من الفلسطينيين اعترافا مهما وخطيرا دون مقابل حقيقي، فهو لم يعرض وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة وقفا نهائيا، وإنما مجرد تجميده لمدة محدودة متجاهلا أن عمليات الاستيطان كلها غير شرعية وتعد من الجرائم التي توجب قواعد القانون الدولي معاقبة مرتكبها؛ لذلك فلا جرم أن رفضت السلطة الفلسطينية هذا العرض جملة وتفصيلا.
والغريب أن إسرائيل تريد الاعتراف بها دولة يهودية، أي دولة لليهود، بينما لا يوجد تعريف متفق عليه في إسرائيل حول من هو اليهودي، فطبقا لتفسير العقيدة اليهودية يعتبر يهوديا ذلك الشخص الذي يولد من أم يهودية، وكذلك كل من يدخل هذه العقيدة أمام السلطة الدينية اليهودية. وبالرغم من أن تعريف (اليهودي) في نظر القوانين الإسرائيلية يقوم على أساس ديني، أي الإيمان بالعقيدة اليهودية، إلا أن بعض المفسرين للعقيدة اليهودية لا يرون جناحا في عدم نزع الصفة اليهودية عن الصهيونيين الملحدين؛ لأنه من وجهة نظرهم يعد يهوديا كل من يعد نفسه يهوديا. ومن ناحية أخرى يرى بعض المفسرين أن اليهودي الذي يرتد إلى ديانة أخرى يظل في نظر الشريعة اليهودية يهوديا برغم ارتداده، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت هذا التفسير الأخير حين حجبت عن المرتدين عن اليهودية حق الاستفادة من قانون العودة عام 1950، الذي أعطى لأي يهودي في العالم الحق في المجيء إلى إسرائيل بصفة مهاجر والإقامة فيها في أي وقت يشاء، وبموجب قانون الجنسية الصادر عام 1952 تمنح الجنسية الإسرائيلية تلقائيا لأي يهودي مهاجر إلى إسرائيل مع احتفاظه بجنسيته الأصلية إذا رغب في ذلك. ولم تعترف المؤسسة الدينية الرسمية الإسرائيلية بيهودية عدد كبير من المهاجرين الروس، إلا إذا تهودوا بواسطتها على الطريقة الأرثوذكسية. وحثت الدولة الإسرائيلية المؤسسة الدينية في الإسراع في تهويد هؤلاء المهاجرين، لكنها أخفقت في مسعاها فأنشأت مرجعية لتهويدهم يرأسها حاخام أرثوذكسي، إلا أن المحكمة الدينية الأرثوذكسية العليا أعلنت بطلان يهودية الآلاف من الذين تهودوا بواسطة المرجعية التي أنشأتها الدولة. ومن ذلك يتضح أن إسرائيل تريد أن يعترف العالم بها كدولة لليهود قبل أن تحل معضلة تعريف اليهودي. ومن ناحية أخرى، فإنه في سياق الإجراءات والتدابير الهادفة إلى ترسيخ مبدأ (يهودية دولة إسرائيل) وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي في جلسته التي انعقدت يوم الأحد 10/10/2010م على تعديل في قانون الجنسية الإسرائيلية يوجب على كل شخص غير يهودي يرغب في الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن يؤدي قَسَم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية، وأن يلتزم باحترام قوانينها. وأفادت بعض التقارير الإعلامية بأن 22 وزيرا أيدوا هذا التعديل فيما رفضه ثمانية وزراء، ويحتاج هذا التعديل إلى موافقة البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) المؤلَّف من 120 عضوا، ومن المرجح أن يوافق البرلمان الإسرائيلي على هذا التعديل؛ لأن أغلبية أعضائه من الأحزاب المتطرفة سياسيا ودينيا.
وسيؤثر هذا التعديل في المقام الأول على الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية وقطاع غزة، والمقدر عددهم بـ 25 ألف فلسطيني، والمتزوجين من عرب إسرائيل ويطالبون بالجنسية بهدف (لم الشمل). كما أنه سيطبق على كل لاجئ فلسطيني تضطر إسرائيل إلى السماح له بالعودة إلى دياره في إطار التسوية المنشودة.
ووصف إسحاق هرتسوج، وزير الشؤون الاجتماعية الإسرائيلي (من حزب العمل) هذا التعديل بأنه ''غير ضروري وخاطئ''، قائلا: ''إنه سيتسبب في تمييز بين الأقليات''، وأضاف: إن إسرائيل بهذا القانون ''تدخل نفقا ظلاميا تتدهور فيه نحو الفاشية''. وقال وزير آخر من حزب العمل، وهو افيشاي برمزمان: إن هذا التعديل ''لن يفيد إسرائيل وسيرسل رسالة يصعب حلها للأقليات، وسيضر بصورة إسرائيل في العالم''، وصرح وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي بشاي بأنه سيطرح في القريب مشروع تعديل آخر على قانون الجنسية يتيح سحب الجنسية من مواطنين تتم إدانتهم بتهم أمنية. كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بأنه يسعى لطرح مشروع قانون يلزم كل مواطن إسرائيلي غير يهودي يبلغ من العمر 16 عاما بالقَسَم بالولاء لإسرائيل والصهيونية من أجل الحصول على بطاقة هوية. وأعلن فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة حماس أن قرار الحكومة الإسرائيلية هو قرار ''عنصري بامتياز ويشكّل انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطيني وسعيا لطمس هويته''. وأضاف قائلا: ''إن هذا القرار يخدم تثبيت فكرة قيام دولة يهودية ويأتي في الإطار الصهيوني المتطرف نفسه لفكرة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، وهي طرد الفلسطينيين من أراضيهم وديارهم''.
والواقع أن إلزام كل غير يهودي يرغب في الحصول على الجنسية الإسرائيلية بقَسَم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية، يتعارض تماما مع جميع المبادئ التي نصت عليها المواثيق الدولية بشأن حقوق الإنسان، التي قررت عدم جواز التمييز في المعاملة على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الدين، ونسوق على ذلك مثالا بنص الفقرة الأولى من المادة (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966م، حيث نصت على ما يلي:
(تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أن غير ذلك من الأسباب).
كما تنص المادة (26) من هذا العهد على ما يلي:
(الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتع بحمايته، وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب).
كما أن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21/12/1965م، قررت في مادتها الخامسة بأن تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بأشكاله كافة، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، ولا سيما بصدد التمتع بعدد من الحقوق حددتها المادة المذكورة، منها الحق في الجنسية.
والواقع أن التشريعات الإسرائيلية بشأن الجنسية تعتبر مثالا نموذجيا للعنصرية البغيضة؛ فهي تعطي الغريب الذي لا تربطه بفلسطين أي صلة الحق في أن يذهب إلى فلسطين والاستيطان فيها بمجرد اعتناقه الدين اليهودي، وتنكر على سكان البلاد الأصليين الذين شُرّدوا من ديارهم حق العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي