السلام مع باكستان: مسعى نيودلهي الميؤوس منه؟
على الرغم من أن جهوده واجهت عدة نكسات، إلا أن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج يبدو مصمماً على تحسين العلاقات مع باكستان. فوفقاً لمصادر مطلعة في نيودلهي، لا يزال مستمراً في مسعاه على الرغم من معارضة معظم زملائه في مجلس الوزراء. وأسبابه لتحسين العلاقات مع باكستان قوية في الواقع. فبصفته خبيراً اقتصادياً متمرساً يعتقد أن الهند لا تستطيع الحفاظ على معدلات نموها المرتفعة والبروز كلاعبة عالمية فاعلة إلا إذا تمكنت من إنهاء علاقتها المضطربة مع باكستان.
وعلى الرغم من منطقه السليم ظاهرياً، إلا أنه من غير المرجح أن ينجح نهجه في أي وقت في المستقبل المنظور. وفي الواقع، الأسباب واضحة للغاية ويجب عليه هو ومؤسسة السياسة الخارجية المسؤولة عن هذه المهمة أن يدركا هذا بسرعة. فالمشكلة الرئيسة التي تواجهها المحادثات هي عدم وجود محاور عملي.
ولا يمكن إنكار أنه ليس هناك في باكستان حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً. ولكن كما أظهرت التعاملات المتكررة مع هذا النظام، فهي لا تسيطر أيضاً على جداول أعمال الدولة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الأمنية. وقد حدث ذلك للمرة الأولى في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2008 في أعقاب الهجمات الإرهابية المروعة على عدة مواقع في بومباي (مومباي). وفي البداية، عرض رئيس الوزراء جيلاني إرسال رئيس جهاز الاستخبارات المشتركة في باكستان، الجنرال أحمد شجاع باشا، إلى نيودلهي لمناقشة إجراء تحقيق محتمل في الهجوم. ولكن بعد ساعات فقط تم إلغاء القرار. ويعتقد على نطاق واسع أن رئيس أركان الجيش القوي، الجنرال إشفاق كياني، ضمن ألا يقدم رئيس جهاز الاستخبارات أي مساعدة من هذا القبيل.
وكشفت الأحداث اللاحقة عدم جدوى إجراء مناقشات مع السلطة المدنية في باكستان. ففي تموز (يوليو) من هذا العام، قام وزير الشؤون الخارجية الهندي، س. م كريشنا، بعد قرار رئيس الوزراء، بزيارة باكستان في محاولة لاستئناف المفاوضات التي توقفت في وقت سابق من هذا العام. ولسوء الحظ، في أعقاب زيارته، وفي مؤتمر صحافي في نيودلهي، قال وزير الداخلية الهندي، ج. ك بيلاي، ردا على سؤال مباشر من أحد المراسلين، إن اعتراف الأمريكي ـــ الباكستاني ديفيد كولمان هيدلي كشف أن جهاز الاستخبارات الباكستاني كان له يد في الهجمات الإرهابية على بومباي (مومباي). ولعل توقيت تصريحاته لم يكن جيداً. إلا أن قريشي الهادئ عادة قرر تشبيه مؤتمر بيلاي الصحافي بالخطابات العنيفة المناهضة للهند لرئيس منظمة عسكر طيبة الإرهابية التي مقرها باكستان، حافظ محمد سعيد. وأوضحت هذه المقارنة المريعة غير اللائقة أن قريشي ليس مهتما بمواصلة النقاش الجدي مع نظيره. وحتى بعد هذا الخطاب غير اللائق، أبقى كريشنا على مستشاره. وبالطبع انتهى اللقاء دون تحقيق أي تقدم ملموس على أية جبهة.
ويبدو أن هذه النكسة لم تضعف عزم رئيس الوزراء على مواصلة المفاوضات مع باكستان. إلا أن الحادثتين تسلطان الضوء على الواقع المرير: النظام المدني في باكستان ليس أكثر من مجرد واجهة.
ولا تزال السلطة الفعلية، خاصة حين يتعلق الأمر بالمسائل الحيوية مثل السياسة الخارجية والأمنية، بيد القيادة العامة للجيش الباكستاني في روالبندي. وبالتالي، وبلغة العلاقات الدولية، النظام غير قادر ببساطة على تقديم التزام ذي مصداقية. وحتى لو تمكن الجانبان، بمعجزة، من التوصل إلى اتفاق ثنائي، من غير الواضح على الإطلاق أن النظام الحالي سيكون قادرا على الالتزام بشروط أي اتفاق من هذا القبيل. فالتعنت الشديد من جانب المؤسسة العسكرية سيضمن تفكك أي التزام يفتقر إلى موافقتها الواضحة.
في ظل هذه الظروف، ما المسار الأكثر منطقية الذي يجب على الهند اتباعه؟ هل يجب عليها فقط أن تستمر في إجراء المناقشات على مستويات وزراء الخارجية لمجرد الحفاظ على قناة اتصال؟ إن مثل هذه الجهود لا تكون منطقية إلا إذا كان هناك فهم واضح أنه من المرجح أن يتمخض عن هذه المناقشات حول المسائل ذات الاهتمام المشترك بعض التقدم، هذا إن تم إحراز تقدم. وبغير ذلك، فإن هذه المفاوضات سترفع الآمال بإحراز تقدم محتمل ولكنها ستصطدم في النهاية بعوائق متكررة. والنهج الأكثر حكمة بالنسبة للهند قد يكون إنهاء هذه اللقاءات التي لا تنتهي إلى أن يتمكن النظام المدني إما من ترسيخ نفسه، وإما على الأقل ضمان ثقة المؤسسة الأمنية القوية. وتبدو هذه النتيجة، على الأقل في المرحلة الراهنة، هي الأكثر احتمالاً. وبالتالي، على الرغم من الاهتمام الشديد على أعلى المستويات في نيودلهي لتحقيق تقارب محتمل مع باكستان، إلا أن التوقعات العملية ليست في الأفق. وقد يكون الاعتراف الصريح بهذا الواقع المؤسف دليلاً أفضل للسياسة من الآمال الجميلة ولكن غير الواقعية بأنه من المحتمل أن تؤتي المحاولات المتكررة لتحقيق تقدم مع الدولة المجاورة المثيرة للخلاف ثمارها في أي وقت قريب. فالسعي إلى التفاهم مع باكستان هدف مرغوب فيه. إلا أن الرغبة في تحقيقه لا تجعله قابلا للتحقيق وخصوصاً في ظل الظروف الراهنة.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinion Asia