نافذة على مشروع نظام أخلاقيات البحث على المخلوقات الحية

خلق الله سبحانه وتعالى المخلوقات - الكائنات الحية والجماد والشجر والدواب - وكوَّن المخلوقات الحية من خلايا فأنسجة فأعضاء, لكل منها وظيفة حيوية متخصصة تكوِّن في مجموعها الفعاليات الحيوية المترابطة التركيب والوظيفة في جسم المخلوق الحي واللازمة لاستمرار حياته ما شاء الله له ذلك.
ولاستمرار الحياة وعمارة الأرض, خلق الله الذكر والأنثى, واستودع نواة الخلية ما يسمى الحقيبة الوراثية (المادة الوراثية), المسؤولة عن استمرار الأجيال من خلال انتقال المكونات الحيوية أو توارث الصفات البشرية من المادة الوراثية للذكر والأنثى، وهي كذلك تختزن سر التوالد والنمو والحياة للحيوان والنبات. ومن خلال التقدم العلمي في العصر الحديث والتعرف على كنه المادة الوراثية وتراكيبها واعتلالاتها وأنماط توارثها كما أمكن الوصول - من معطيات الدراسات والبحوث, والعلوم التجريبية في المختبرات - إلى فهم أكبر وأعمق للمادة الوراثية في حالات عدة من الصحة والمرض, وفهم العوامل المختلفة التي تؤثر في صحة الإنسان إيجاباً أو سلباً وتؤدي إلى إصابته بالأمراض ومعاناته من مضاعفاتها من جهة, واستنباط طرق ووسائل تشخيصية ووقائية وعلاجية للحد من آثارها من حيث تُجرى الدراسات للعلاج بالمورثات والخلايا الجذعية والفحوص المخبرية للكشف عن احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة والمقعدة كوسيلة وقائية مبكرة، من جهة أخرى. كما تم التوصل إلى فهم أكثر عمقاً للمادة الوراثية في الحيوان والنبات, وتمت الإفادة منها في تحسين السلالات والمنتجات الحيوانية والغذائية..
إلا أنه في الوقت نفسه، بقي الباب مفتوحاً لأعمال تجريبية على المادة الوراثية وأجزائها, علمية أو طبية, وهي ليست بالضرورة ذات فائدة للبشرية كتجارب استنساخ النعجة دوللي وحيوانات أخرى، والعبث البحثي كتهجين المادة الوراثية للإنسان والحيوان .. كما أن جوانب منها قد تذهب بعيداً حتى التدخل والتأثير في خصوصيات الأفراد والأسرة والمجتمع.
ولذلك أصبح لزاماً إيجاد قوانين وتنظيمات تأطر العمل البحثي وتوجهه لخدمة الإنسان، وتحد من الأضرار التي قد تنتج عن العمل غير المسؤول في مجال البحوث المتعلقة بالمادة الوراثية ودراساتها, وقد قامت بالريادة في هذا المجال كلٍ من منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو). وفي السياق نفسه، قامت دول عدة بإيجاد أنظمة ولوائح وقواعد تنظيمية للدراسات والأبحاث على المخلوق الحي. وفي المملكة العربية السعودية، سارعت الجهات المعنية إلى العمل على إيجاد قواعد داخلية، وقامت مدينة الملك عبد العزيز بتقديم اقتراح لإنشاء لجنة وطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية تعنى بالضوابط الأخلاقية والإشراف والمتابعة على الجوانب الأخلاقية في البحوث المتعلقة بالمادة الوراثية للمخلوقات الحية، كما ظهرت, في ضوء ذلك, أهمية إيجاد صيغة موحدة للشروط البحثية والأخلاقية الواجب اتباعها في البحوث من أجل حماية حقوق المريض والأسرة والمجتمع من جهة, وتسهيل عمل المنشآت الصحية الطبية والبحثية المختلفة من جهة أخرى. وفي هذا الصدد، وجه المقام السامي الكريم بالأمر رقم 7/ب/9512 تاريخ 18/5/1422هـ, بتشكيل لجنة وطنية بمسمى (اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية). وقضى الأمر السامي الكريم أن تكون اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية تحت إشراف وإدارة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية, وبرئاستها وبعضويتها كل من:
- الحرس الوطني.
- وزارة الدفاع والطيران.
- وزارة الداخلية.
- إدارة البحوث العلمية والإفتاء.
- وزارة الصحة.
- وزارة المعارف.
- مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.
وقامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية, بطلب ترشيحات من هذه الجهات، وتم تكوين اللجنة بموجب القرار رقم 98775/م/1 وتاريخ 18/10/1422هـ.
وأعطيت اللجنة صلاحيات وضع الضوابط والمعايير الأخلاقية للبحوث الحيوية والطبية، ومتابعة تنفيذها، وفي هذا الإطار، تسعى اللجنة إلى تشجيع البحث العلمي والاستفادة من مخرجاته مع مراعاة المقتضيات الشرعية والضوابط الأخلاقية من خلال ما يلي:
1. وضع ومتابعة تنفيذ معايير وأخلاقيات البحوث الحيوية والطبية من أجل التحسين والارتقاء بالنواحي الصحية, والوقائية, والتشخيصية العلاجية والنفسية, مع مراعاة كرامة الإنسان, والعدل, والإحسان وحفظ الحقوق للأفراد والمجتمعات بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية وتقاليد ومرتكزات المملكة.
2. الاهتمام الشامل بالأخلاقيات البحثية الحيوية والطبية وتطبيقاتها التي تجرى في المستشفيات والجامعات ومعاهد البحوث، إضافة إلى الجهات العامة والخاصة ذات العلاقة.
وصدر قرار مجلس الوزراء رقم 180 وتأريخ 9/6/1425هـ, لتعزيز أعمال اللجنة الرقابية والإشرافية على الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالأبحاث على المادة الوراثية. وقد قامت اللجنة بتكوين لجان تختص بجوانب محددة من أعمالها تشمل لجنة شرعية وقانونية, ولجنة للأبحاث على الإنسان, ولجنة لاستخدام المادة الوراثية وبنوكها, ولجنة للأبحاث السريرية, ولجنة للأبحاث على الحيوان والنبات ولجنة للتعليم والإعلام. كما قامت اللجنة بتشكيل لجان متخصصة لأخلاقيات البحوث الحيوية والطبية في المستشفيات والمراكز البحثية في المملكة، تكون مهمتها مراجعة الأبحاث والدراسات المقدمة للموافقة عليها من تلك الجهات, وبحث مدى موافقتها لضوابط ومعايير الأخلاقيات الحيوية والطبية, ومن ثم إقرار هذه الدراسة أو عدمه مع تقديم التوجيه والإرشاد اللازمين للدارسين وللباحثين.
ولاستكمال الجوانب النظامية لمسؤوليات ومهام اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية, والقواعد المنظمة لعملها, وتقنين الجوانب الأخلاقية للدراسات والبحوث ومعالجة قضاياها والرجوع في ذلك إلى أنظمة ولوائح تشريعية معتمدة, قامت اللجنة بوضع مشروع «نظام لأخلاقيات البحث على المخلوقات الحية», وتم رفع المشروع للمقام السامي الكريم من قبل معالي رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالخطاب رقم 112604/م/10 وتأريخ 26/12/1424هـ, ومن ثم تمت إحالته لمجلس الشورى بالخطاب رقم 1645 وتأريخ 26/6/1426هـ، حيث تمت دراسته من قبل لجنة الشؤون الصحية والبيئة, واستضافت اللجنة مندوبين من اللجنة الوطنية والجهات ذات العلاقة, واستعانت بقوانين وأنظمة وردت في التقرير، إلى جانب دلائل إرشادية وإعلانات صادرة عن منظمات دولية ذات صلة صادقت عليها المملكة العربية السعودية, ومنها:
1- الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان المعتمد في تشرين الأول (أكتوبر) 2005م.
2- الإعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الإنسان المعتمد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1997م.
3- الإعلان الدولي بشأن البيانات الوراثية البشرية المعتمد من المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في تشرين الأول (أكتوبر) 2003م.
وفي ضوء ذلك تمت مناقشة النظام في مجلس الشورى وإجازته والرفع للمقام السامي بذلك. وصدر بذلك قرار مجلس الوزراء رقم 321 وتأريخ 13/9/ 1431هـ، وبذلك تستكمل حلقات المشروع واعتماده وإعداد وإصدار لائحته التنفيذية.
ونسأل الله العلي القدير أن يكون في النظام إضافة إيجابية لتنظيم ودعم البحوث الطبية والإفادة من مخرجاتها في خدمة الفرد والأسرة والمجتمع وحفظ حقوق المواطنين وكرامتهم في هذا البلد الكريم، والإفادة من النظام في إجراءات البحوث والدراسات ذات العلاقة بالمادة الوراثية في النبات والحيوان والإنسان وبما يعود عليه بالخير والصحة والعافية - بمشيئة الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي