للمرة الثانية .. توصية بإنشاء هيئة مستقلة للتأمين
تصدرت الدعوة لإنشاء هيئة حكومية مستقلة لتولي الإشراف والرقاب على أعمال التأمين التعاوني وتوفير المناخ الملائم لتطويره، أولى التوصيات التي خرج بها الملتقى الثاني للتأمين التعاوني الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي في الرياض، والذي نظمته الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل.
وتكررت هذه التوصية التي اتفق عليها الأغلبية من العلماء والباحثين والمختصين في مجال التأمين التعاوني خلال مشاركتهم في الملتقى، حيث سبق أن أوصى الملتقى في دورته الأولى التوصية ذاتها، وتأتي هذه التوصية في الوقت الذي تعتبر فيه السعودية ثاني أكبر سوق للتأمين التكافلي في العالم ليس لديها هيئة أو جهة مستقلة للتأمين، حيث يشرف على هذا القطاع البنك المركزي ـ مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما».
وبحسب نتائج سوق التأمين خلال عام 2008 فقد حققت نمواً بنسبة 27 في المائة وبإجمالي أقساط قدرت بنحو 10.9 مليار ريال، وقد ارتفع حجم هذه الأقساط خلال عام 2009 متجاوزا 14 مليار ريال، كما يرجح أن تشهد السوق السعودية خلال السنوات الأربع المقبلة أعلى نسبة نمو للتأمين التكافلي بين دول مجلس التعاون الخليجي، لتصبح أكبر سوق تأمين تكافلي في العالم، وتشكل ماليزيا والسعودية حاليا أكبر دولتين في صناعة التأمين التكافلي عالمياً، وهو ما يدعو ـ وفق مراقبين في التأمين ـ إلى الحاجة لهيئة مستقلة بهذا القطاع تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري وتكون لها ميزانية مستقلة ملحقة بميزانية الدولة.
وتضمنت التوصيات دعوة شركات التأمين التعاوني إلى الالتزام بتطبيق مبادئ الحوكمة التي تتضمن حماية متوازنة للأطراف ذات العلاقة، دعوة الحكومات في العالم الإسلامي والعربي إلى إصلاح الأنظمة والتشريعات التي تحكم أعمال التأمين التعاوني، وإصدار تنظيمات الضبط الشرعي لهذه الصناعة، وكذلك الاستفادة من أشكال وتطبيقات التأمينات الحكومية والإفادة منها في تطبيقات التأمين التعاوني.
وكان الملتقى الثاني للتأمين التعاوني الذي رعاه الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وحضره نخبة من العلماء والباحثين والمختصين في مجال التأمين التعاوني من داخل المملكة وخارجها، قد ناقش عددا من الموضوعات الجوهرية في قطاع التأمين وعلى رأسها التكييف الفقهي للتأمين التعاوني والفروق المؤثرة بينه وبين التأمين التجاري وطرق التصرف في الفائض التأميني وكيفية توزيعه وضوابط احتسابه، كما بحث المشاركون في الملتقى الذين حضروا من داخل المملكة وخارجها عددا من المسائل المتعلقة بقضايا التأمين، مثل: التحفيز بالفائض التأميني، العجز التأميني وكيفية تغطيته، استراتيجيات التأمين التعاوني المستقبلية، الصيغ التطبيقية للتأمين التعاوني، تجارب التصرف في الفائض التأميني، إضافة إلى مشكلات التأمين التعاوني وحلولها.
وأوصى الملتقى بعد طرحه عددا من أوراق العمل على مدى يومين متتاليين حظيت بنقاش مستفيض حول ما تضمنته من أفكار وطروحات علمية، بالدعوة إلى ابتكار وتطوير المنتجات المستقبلية، حيث دعا المجتمعون كل من له القدرة من شركات التأمين والباحثين والمختصين والجهات ذات العلاقة بالعمل على تطوير وابتكار صيغ تأمينية تعاونية جديدة.
ودعت لجنة صياغة التوصيات التي تضم ستة أعضاء يرأسهم الدكتور علي محيي الدين القرة داغي إلى ضرورة الاستمرار في إقامة الملتقيات المتخصصة في موضوع التأمين التعاوني بما يحقق دراسته دراسة تفصيلية ومناقشة نوازله.
وفيما يتعلق بالتمييز بين مفهوم التعاون ومفهوم التبرع، رأى المجتمعون خلال الملتقى أن التعاون المكوّن للتأمين التعاوني ليس تبرعاً محضاً ولا معاوضة محضة، بل له معنى مستقلٌ أساسه التعاون والاشتراك في درء آثار المخاطر، ولذا فإن معنى التبرع الذي يتردد عند مناقشة التأمين التعاوني إنما هو ذلك المعنى المتعلق بالنظر إلى الأثر على مجموع المستأمنين (ولا مشاحة في الاصطلاح)، وليس بالنظر إلى نية كل فرد والجزاء الأخروي المرتبط بذلك.
وحول الذمة المالية لصندوق التأمين رأى المشاركون في الملتقى أن توافر الذمة المالية المستقلة لصندوق التأمين التعاوني هو الأنسب للتطبيقات المعاصرة في التأمين التعاوني، ولكنه لا يعد شرطاً لصحة كون التأمين تعاونياً، مع التأكيد على ضرورة الفصل بين حساب التأمين (حملة الوثائق) وبين حساب المساهمين الذي يعد من أهم مبادئ التأمين التعاوني.
وتداول المجتمعون عدة تعريفات للفائض التأميني، وقد توجه الملتقى نحو تعريفه بأنه: «ما يتبقى من موارد صندوق المستأمنين وعوائدها بعد خصم المصروفات والتعويضات»، أما فيما يتعلق بطرق توزيع الفائض التأميني وبعد التأكيد على ما جاء في التوصية الخاصة بالفائض في الملتقى الأول للتأمين التي تضمنت أن الفائض ملك لصندوق التأمين، توصل المجتمعون إلى أن هنا ثلاثة طرق لتوزيع الفائض - عند اختيار التوزيع - وهي: توزيع الفائض على جميع المشتركين (المستأمنين) في صندوق التأمين كل حسب نسبة ما دفعه من الاشتراكات سنوياً، والطريقة الثانية عدم إعطاء الفائض لمن عوض من المشتركين (المستأمنين)، مهما كانت نسبة التعويض، والأمر الثالث ملاحظة نسبة التعويض إلى القسط المدفوع، بحيث إذا استغرق التعويض كل المبلغ المدفوع من المشترك فلا يستحق شيئا من الفائض، وإذا كان مبلغ التعويض يعادل نصف ما دفعه المشترك فإنه يستحق نصف فائضه.
وحول التحايل على استهلاك الفائض التأميني، اتفق المجتمعون على أن الفائض يعد من أهم المبادئ العملية للتأمين التعاوني، لذلك يجب الحفاظ عليه، ولا يجوز التحايل للوصول إلى استهلاك الفائض من قبل الشركة المديرة إذا كانت وكيلا بأجر مرتبط بنسبة مئوية من اشتراكات الصندوق، أما فيما يتعلق بمسألة إن كان لشركة التأمين الحق في أن تجعل مقابل عملها نسبة مئوية من الفائض, فقد دعا المجتمعون إلى إجراء مزيد من الدراسة والنظر في هذا الأمر.
وبخصوص التجارب والتطبيقات الحالية للتأمين التعاوني، رأى المجتمعون أهمية التمييز بين الحالات الاستثنائية والطارئة في تجارب التأمين التعاوني وتطبيقاته الحالية - التي يجب أن تبقى في دائرة الاستثناءات دون التوسع فيها - وبين الأصل العام الذي ينبغي أن يقوم عليه التأمين التعاوني ويستمر.
وتطرق المجتمعون إلى جملة من المسائل الشرعية المتعلقة بالتأمين التعاوني، ورأوا أنها تحتاج إلى مزيد بحث والتدقيق منها: إدارة المخاطر في التأمين التعاوني، العجز في صندوق التأمين ووسائل علاجه والبدائل المناسبة التي تتفق مع حقيقة التأمين التعاوني، تطبيقات التصرف في الفائض التأميني، جعل العوض الذي تستحقه الشركة مقابل إدارة أعمال التأمين نسبة مئوية من الفائض، إضافة إلى التأصيل لنوعية التعاون في التأمين التعاوني ودراسة تطبيقات هذا المفهوم في المعاملات المالية.
وكانت أحدى أوراق العمل التي عرضها خلال الملتقي الثاني للتأمين قد دعت إلى ضرورة إنشاء شركات إعادة تأمين إسلامية مؤهلة لتوفير خدمات إعادة التَّأمين لكل شركات التَّأمين الإسلامية بهدف الاستغناء التَّدريجي والمرتب عن شركات إعادة التَّأمين التِّجارية.
وطالبت الورقة التي قدمها الدكتور السَّيد حامد حسن نائب المدير العام لشركة البركة للتَّأمين، إلى إظهار الفارق بشكل واضح في ممارسة التَّأمين الإسلامي شرعياً، وسلوكياً، وفنياً، ومالياً، وإدارياً، وتشريعياً، وابتكاراً بدلاً عن التبعية المطلقة للتَّأمين التِّجاري، وتفعيل دور هيئات الرقابة الشَّرعية والاستفادة منها لأقصى درجة، وتزكية روح التَّقارب بين أعضائها والكوادر المسؤولة عن الأعمال الفنية، والمالية، والإدارية في الشَّركة.