ثقافتنا الإسكانية أساس أزمتنا .. وهذه هي الحلول
أوضح تقرير حديث أصدرته مؤسسة سي بي ريتشارد أليس، نشرت تفاصيله بالكامل صحيفة ''الوطن'' في العدد 3608، أن المملكة العربية السعودية في حاجة إلى تطوير نحو مليون وحدة سكنية في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما يعادل نحو 20 في المائة من مجمل الوحدات السكنية المتوافرة حالياً في السعودية، التي قدرت بنحو 4.6 مليون وحدة سكنية وفقاً للنتائج الأولية، التي أظهرتها بيانات التعداد الأخير للسكان والمساكن في المملكة 2010، كما أوضح التقرير أنه في حالة تفعيل نظام الرهن العقاري في المملكة وتوافر التمويل، سيسمح ذلك لأسعار الوحدات السكنية بالارتفاع قبل أن يستطيع العرض أن يتفوق على الطلب، مما سيزيد من المصاعب التي يواجهها قطاع الإسكان في المملكة.
ما ضاعف أيضاً من الحاجة إلى التوسع في بناء المساكن في السعودية، الزيادة الكبيرة والمطردة التي تشهدها المملكة عاما عن عام في أعداد السكان بشكل عام (المواطنين وغير المواطنين)، والتي لم تتواكب بأي حال من الأحوال سواء مع النمو في الطلب على المساكن، أو مع أعداد المساكن الفعلية التي تم تنفيذها خلال السنوات الست الماضية، حيث إنه على سبيل المثال، أظهرت النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في المملكة لهذا العام 2010، أن العدد الإجمالي لسكان المملكة بلغ 27.136.977، بزيادة تقدر بنحو 20 في المائة مقارنة بما كان عليه عدد السكان في عام 2004، الذي بلغ 22.673.538، في حين أن الزيادة الفعلية التي طرأت على أعداد المساكن في المملكة، خلال فترتي التعداد المذكورتين، لم تتجاوز نسبتها 16 في المائة، مما تسبب في خلق فجوة واضحة وكبيرة للغاية بين الحاجة الفعلية للمساكن وبين ما تم تنفيذه فعلياً من مساكن على أرض الواقع، خاصة أن الوحدات السكنية التي تم بنائها خلال تلك الفترة، والتي تقدر بنحو 652.592 وحدة سكنية، لم تتناسب أسعارها مع دخول معظم الأفراد في المملكة، ولا حتى مع إمكاناتهم المالية، ولا سيما أن المطورين العقاريين في المملكة، كان جل تركيزهم في الماضي ـــ ولا يزال ـــ على تطوير وبناء الوحدات السكنية لذوي الدخول المرتفعة أو المتوسطة، مما أسهم بشكل كبير في عدم تلبية الاحتياجات السكنية لفئات المجتمع الأخرى من ذوي الدخول ما دون المتوسطة وأصحاب الدخول الصغيرة.
من بين المشكلات الأساسية أيضاً، التي أسهمت بشكل كبير في خلق مشكلة الإسكان في المملكة، عدم وجود ـــ حتى وقت قريب ـــ سوق عقارية محترفة ومنظمة في السعودية، إضافة إلى عدم وجود جهات رسمية تضبط إيقاع السوق (عمليات البيع والشراء التي تتم داخل السوق)، الأمر الذي عرض السوق إلى حالات من الاحتكار الاقتصادي الجائر، وإلى مضاربات محمومة على بيع وشراء الأراضي، مما أسهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار الأراضي البيضاء، بطريقة غير مبررة وغير معقولة، فيها شيء من التخبط والجشع الواضح، ونتيجة لهذا الارتفاع، أصبحت قيمة الأرض تشكل في معظم الأحيان أكثر من 60 في المائة من قيمة الوحدة السكنية، ما جعل من قيمة الوحدة السكنية المعروضة للبيع مرتفعة للغاية، لا تتناسب مع الدخول ما دون المتوسطة والصغيرة، أضف إلى ذلك أن العجز الواضح في قدرات صندوق التنمية العقارية على مواكبة النمو المتسارع في الطلب على المساكن ومحدودية مبلغ التمويل المخصص لبناء الوحدات السكنية التي يمنحها الصندوق للمواطن، الذي ـــ كما هو معروف ـــ مقداره 300 ألف ريال، ضاعفت من حجم مشكلة الإسكان في المملكة. ما يؤكده أنه على الرغم من حجم القروض الضخمة، التي قدمها الصندوق منذ إنشائه، التي بلغت نحو 146.9 مليار ريال حتى نهاية عام 2009، إلا أنها لم تنجح في سد الفجوة الهائلة بين الطلب والعرض على المساكن في المملكة.
من بين المشكلات أيضاً التي أسهمت بفاعلية كبرى في خلق مشكلة الإسكان في السعودية، التوسع في بناء الوحدات السكنية المستقلة، وعدم اللجوء إلى التوسع الرأسي في بناء المساكن والوحدات السكنية، ونتيجة لاتباع هذا الأسلوب في بناء الوحدات السكنية، وللتوسع الأفقي في البناء، تكلفت الدولة وتكلف المواطن مبالغ طائلة، تمثلت في قيمة البناء، وفي تكلفة التوسع في بناء المرافق العامة وتزويد المناطق والأحياء بالخدمات الأساسية كالكهرباء، والهاتف، والمياه وإلى غير ذلك من الخدمات.
الخروج من أزمة الإسكان والمساكن في السعودية، يتطلب في البداية إحداث تغيير جذري وجوهري في ثقافة البناء والإسكان في المملكة، من خلال العزوف عن بناء الوحدات السكنية المستقلة، واللجوء إلى بناء المجمعات السكنية، بما في ذلك التوسع الرأسي في البناء عوضاً عن التوسع الأفقي، إضافة إلى التوسع في بناء المساكن منخفضة التكلفة، أو ما يعرف بـ ''المسكن الميسر''، الذي في الغالب يحتوى على عدد محدود جداً من الغرف، بما في ذلك المساحات، التي تلبي الاحتياجات الأساسية لقاطني المسكن ولا تفيض عن الحاجة، شريطة أن تخضع في مواصفات بنائها إلى ما يعرف بـ ''كود البناء السعودي''.
الخروج من أزمة الإسكان الحاصلة في بلادنا، وفق تطلعات خطة التنمية التاسعة، يتطلب تحفيز وتشجيع القطاع الخاص على بناء الوحدات السكنية والمجمعات السكنية، من خلال تقديم القروض الحكومية وابتكار الحوافز للقطاع، التي تشجعه على التوسع في ذلك النوع من النشاط، ولا سيما أن الخطة المذكورة أعطت حصة الأسد في تمويل المساكن الجديدة، التي سيتم إنشاؤها خلال سنوات الخطة، البالغ عددها أكثر من مليون وحدة سكنية للقطاع الخاص وذلك بنحو 70 في المائة منها، والله من وراء القصد.