التأمين وعلاج المتضررين من التلوث البيئي

يعد التلوث البيئي أحد أهم المخاطر التي تهدد البيئة والإنسان، ولذلك تحرص الدول في قوانينها على تبني كثير من الضوابط التي تحد من التلوث البيئي.
وبالنسبة للمملكة فهي ليست بعيدة عن مخاطر التلوث، وذلك بالنظر إلى أنها تضم كثيراً من المصانع التي تعتمد في عملها على بعض المواد التي يتم تصنيفها على أنها من مصادر التلوث البيئي. وقد توسعت المملكة في السنوات الأخيرة تحقيقاً لمفهوم التنمية الشاملة في إعطاء التراخيص لإنشاء المصانع في مختلف مناطق المملكة، وذلك علاوة على ما هو موجود من مصانع بيتروكيميائية في مدينتي الجبيل وينبع. وهذا التطور الذي تعيشه المملكة لا ينبغي أن يُنسينا ما قد يحصل من تلويث للبيئة وعدم التزام تلك المصانع بالضوابط التي وضعتها الدولة في هذا الشأن.
وفي الحقيقة فإن التلوث البيئي هو أحد أهم القضايا التي تشغل العالم، وذلك باعتبار أن البيئة هي كيان واحد، وأن أثر التلوث لا يقتصر على دولة بعينها، بل يمتد ليؤثر في كل سكان المعمورة. ولذلك فإن القوانين التي تُعنى بحماية البيئة هي قوانين ذات بعد دولي، فالهواء الذي يتنفسه سكان الأرض هم مشترك للجميع، والبحار والمحيطات التي تحف اليابسة بها من كل جانب هي قضية الجميع. ولذلك فكل نشاط بشري يمكنه إلحاق ضرر بالماء أو الهواء أو اليابسة ينبغي أن يُصنّف ضمن النشاطات التي تهدد بيئتنا بمختلف مجالاتها، بل إن هناك من ينظر إلى أن حركة المرور وأصوات الآلات على أنها شكل من إشكال التلوث البيئي.
ومن هذا المنطلق ينبغي أن يكون لدينا وعي بيئي وثقافة بيئية لكي ندرك التزاماتنا الأساسية تجاه بيئتنا وتجاه من يعيش فيها، فالتقدم ضروري ولكن لا ينبغي أن يُنسينا أننا مؤتمنون على هذه البيئة التي استخلفنا الله فيها. وبالنسبة لنا هنا في المملكة ودول الخليج العربية فينبغي أن تكون قضية الوعي البيئي محل تأمل ودراسة بشكل أكثر دقة، ذلك أننا نعاني من انفصال مادي عن بيئتنا وذلك عكس المجتمعات الغربية التي تتعايش مع بيئتها بشكل يومي، أما نحن فمنفصلون عنها سواء في منازلنا أو في مركباتنا بل وبلا مبالغة في كل شيء. ولعل هذا الأمر هو الذي جعلنا لا نكترث بتنمية ثقافتنا تجاه التعامل مع هذه البيئة التي تحتضننا. إننا بالفعل جفيناها وهي بالمقابل جفتنا وذلك عكس أجدادنا الذين احترموا بيئتنا أكثر منا وتعاملوا معها ومع مصادرها بما يليق.
إن تنمية هذه الثقافة البيئية يجب أن يسهم فيها الجميع من أفراد ومؤسسات وجهات تعليمية وصحية. كما يجب تفعيل الرقابة الحكومية والأهلية وسن الأنظمة الكفيلة بمنع التلوث البيئي بمختلف إشكاله، أو على الأقل الحد منه، وتجريم كافة الأفعال التي تسيء إلى البيئة، وكذلك تفعيل مسألة التأمين ضد مخاطر البيئة. فكل نشاط صناعي تترتب عليه مخاطر صحية للغير يجب أن يكون محل تعويض من شركات التأمين خاصة فيما يتعلق بالتزام المصانع بعلاج المتضررين صحياً عن طريق شركات التأمين.
إن دخول شركات التأمين في مجال التأمين ضد مخاطر التلوث ستكون له فوائد إيجابية كبيرة. منها أن هذا الخطر سيجد من يعوض عنه في حالة حصوله ـ لا قدر الله. كما أن شركات التأمين ستُسهم في الحد من مخاطر التلوث وذلك من خلال الشروط التي تضعها على المصانع للحد من حصول الخطر مقابل التأمين عليه. كما أن التأمين سيمثّل عامل رقابة على تلك المصانع. وإذا حصل الخطر ـ لا قدر الله ـ فهي ستكون ملزمة بإزالته وإزالة آثاره وعلاج المتضررين منه صحياً، وتعويضهم أو تعويض ورثتهم في حالة المرض أو العجز أو الوفاة بسبب هذا التلوث. هي دعوة مني لشركات التأمين لأخذ دورها في هذا المجال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي