تاريخ عريق للقطاع المصرفي السعودي في ذكرى اليوم الوطني
تحتفل المملكة العربية السعودية في الأول من برج الميزان من كل عام، بيوم وطني جديد يحل عليها وعلى شعبها، وهي تزداد شموخاً وفخراً واعتزازاً، بإنجازاتها الحضارية، التي شملت جميع مناحي الحياة واتجاهاتها، السياسية منها، والتعليمية، والصحية، والاجتماعية، بما في ذلك الاقتصادية والمالية والمصرفية.
بحلول اليوم الوطني المجيد الـ 80 للمملكة، يكون القطاع المصرفي السعودي بذلك، قد قطع شوطاً متميزاً ومشوارًا فريداً في مسيرته المصرفية العريقة، واستمراره في أدائه المالي المتميز، حيث يصادف حلول هذا اليوم العظيم على المملكة، مرور نحو 84 عاماً على بداية انطلاقة النشاط المصرفي في السعودية، عندما تأسست في ذلك الوقت، وبالتحديد في عام 1926 النواة الأساسية للقطاع المصرفي في المملكة، بإنشاء البنك السعودي الهولندي، الذي يعتبر أول البنوك العاملة في المملكة آنذاك والذي كان يعرف أصلاً باسم الشركة التجارية الهولندية، وكان يعمل من خلال مكتب واحد له في مدينة جدة، وكان نشاطه الرئيس هو تقديم الخدمات المالية للحجاج القادمين من إندونيسيا. ولأنه كان البنك الوحيد العامل في المملكة آنذاك، فقد كان يقوم بدور البنك المركزي، حيث كان يُحتفظ لديه باحتياطي المملكة من الذهب، وتمت عن طريقة العمليات الأولى العائدة من النفط بتفويض من حكومة المملكة، وفي عام 1928، أمر المغفور له ـــــ بإذن الله ــــــ الملك عبد العزيز آل سعود بسك أول عملة مستقلة للمملكة، وكان لفرع الشركة التجارية الهولندية في جدة شرف المساعدة في تقديم المشورة للحكومة في طرح العملة المحلية.
توالت بعد ذلك الجهود المرتبطة بتأسيس عدد كبير من البنوك الوطنية والسعودية والأجنبية، حيث على سبيل المثال، تم تأسيس البنك الأهلي التجاري، كأول بنك وطني في السعودية في عام 1953، برأسمال بلغ عند تأسيسه 30 مليون ريال، أو ما يعادل نحو ثمانية ملايين دولار أمريكي، ويعد اليوم البنك الأهلي التجاري، أكبر صرح مصرفي على مستوى الوطن العربي، بإجمالي حجم موجودات تجاوزت قيمتها مبلغ 263.3 مليار ريال، وإجمالي حقوق ملكية ومساهمين تجاوزت قيمتها مبلغ 30.7 مليار ريال في نهاية حزيران (يونيو) من العام الجاري.
بحلول اليوم الوطني الجديد على المملكة، لا يزال القطاع المصرفي السعودي يحقق إنجازات مصرفية عملاقة واحدة تلو الأخرى، بالذات فيما يتعلق بقدرته الفائقة على تجاوز تبعات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، بأقل التكاليف والأضرار المالية الممكنة، وذلك بشهادة عدد كبير من المؤسسات والمنظمات الدولية المحايدة، مثل مجموعة مؤسسات البنك الدولي، ووكالات التقييم المالي الدولية المعروفة، مثل وكالة ستاندرد آند بورز S&B، ومودييز Moody's الدوليتين، الأمر الذي يؤكده استمرار حصول البنوك السعودية على تقييمات مالية مرتفعة للغاية، من وكالات التقييم الدولية، حيث على سبيل المثال لا الحصر، قد رفع تقرير التقييم المالي الأخير الصادر عن وكالة موديز لخدمات المستثمرين Moody’s Investors Services، تصنيفات الودائع بالعملات الأجنبية لمجموعة سامبا المالية والبنك السعودي الفرنسي والبنك السعودي البريطاني من الفئة A1 إلى الفئة Aa3.
بحلول اليوم الوطني الجديد للمملكة، يشهد القطاع المصرفي السعودي نقطة تحول جوهرية وأساسية، في أسلوب تقديم الخدمات للعملاء، ما يؤكد على ذلك تهافت وتسابق البنوك السعودية على تقديم أرقى مستوى ممكن ومتاح من الخدمات المصرفية للعملاء على مستوى العالم، بالشكل والأسلوب والنهج، الذي يلبي احتياجات العملاء المصرفية، ويحقق لهم في الوقت نفسه تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية، حيث على سبيل المثال، قد توسعت المصارف السعودية في مراكزها المالية، ودعمت قاعدة رساميلها واحتياطياتها وأرباحها، التي بلغت بنهاية الربع الثاني من العام الجاري مبلغ 196.5 مليار ريال، وذلك بهدف التمكن من مواجهة الطلب المتنامي على العمليات والأنشطة المصرفية المختلفة، وبالذات المرتبطة بنشاط التمويل سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد المتعلق بالقطاع الخاص، الأمر الذي يؤكده تسجيل القطاع المصرفي لرقم حجم تمويل تاريخي في نهاية الربع الثاني من العام الجاري، لم يسجله في أي ربع مضى خلال الأعوام السابقة منذ نشأة القطاع المصرفي في المملكة، والذي بلغ نحو 760.4 مليار ريال، إضافة إلى ذلك توسعت البنوك السعودية في شبكة فروعها وفي شبكة أجهزتها المصرفية الإلكترونية (أجهزة الصراف الآلي وأجهزة نقاط البيع)، حيث قد بلغ عدد فروع المصارف بنهاية الربع نفسه 1561 فرعاً، في حين بلغ إجمالي عدد أجهزة الصراف الآلي وأجهزة نقاط البيع 10.462 و65.775 جهازاً على التوالي.
إجمالي حجم موجودات البنوك السعودية، هي الأخرى قد واكبت التطور والتوسع المذهل والكبير الذي طرأ على حجم النشاط المصرفي في المملكة، حيث بلغت قيمة إجمالي أصول المصارف السعودية في نهاية الربع الثاني من العام الجاري مبلغ 1.383 مليار ريال.
بالنسبة لوضع السيولة وتوافر النقدية اللازمة لتمويل عمليات وأنشطة البنوك المختلفة، فقد استمرت مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٠ في اتباع سياسة نقدية حكيمة، استهدفت تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، وذلك من خلال متابعة التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية والتغيرات التي تطرأ على معدلات السيولة النقدية، وتبعاً لذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير السيولة. تأكيداً لنجاح جهود ''ساما'' المرتبطة بتوفير السيولة النقدية اللازمة للمصارف، فقد بلغ المتوسط اليومي لاتفاقيات إعادة الشراء ١٠٦٣ مليون ريال خلال الربع الثاني ٢٠١٠ مقابل ٢٢٩٢ مليون ريال في الربع الأول من العام نفسه، وبلغ متوسط اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس اليومي خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٠ ٧٥٦٥٧ مليون ريال مقارنة بمتوسط يومي بلغ ٩٤٩٢٥ مليون ريال في الربع الأول من العام نفسه، هذا ويعزى انخفاض متوسط عمليات اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس اليومي إلى تحسن النشاط الائتماني للمصارف المحلية خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٠ مقارنة بالربع السابق.
أخيراً وليس آخراً، يتوقع للمصارف المحلية، أن تستمر في أدائها المالي المتميز، بفضل السياسات النقدية والمصرفية الحكيمة، التي تنتهجها مؤسسة النقد العربي السعودي من جهة، ثم بفضل إدارات المصارف الواعية من جهة أخرى، التي تضطلع بإدارة دفة أعمال المصارف اليومية، بشكل مهني محترف، سيكفل للمصارف ــــــ بإذن الله تعالى ــــــ للمصارف بقاءها لأعوام وطنية عديدة، لتستمر بالقيام بدورها التنموي المنشود في الاقتصاد الوطني على الوجه المطلوب، والله من وراء القصد.