أطفالنا والألعاب .. جودة المواصفات أم المنتجات؟
بينما أنا أهم بدخول غرفة الأبناء إذا بكومة من ألعابهم قد بُعثرت في مدخل الغرفة .. سيارات وطيارات ودمى وأدوات حربية وألعاب تركيب وتعلم. وفي كل لعبة تجد إصابة بالغة إما طرف مكسور أو عجلة مخلوعة .. وقد استوقفتني بين تلك الحطام سيارة بلاستيكية جميلة وسليمة بالكامل وتعمل بشكل متقن رغم قدمها .. نعم ما زلت أتذكر تلك الجولة القصيرة على حافلة النقل العام مع أبنائي أثناء إقامتي في بريطانيا للدراسة، وقد اشتريت هذه اللعبة لأحدهم .. كان يضعها في ''حضنه'' ويلعب بحزام الشنطة، بينما نحن جلوس في الحافلة، وبالقرب رجل إنجليزي مرتب الشكل يحمل كتاباً، وهو يرمق ابني ويكرر النظر إليه، وقد بدت عليه الابتسامة ثم ينظر إليّ ويزداد تبسماً ويقول: هكذا هم الأطفال .. أمر غريب! أشتري لطفلي في مثل سن طفلك لعُبةً جديدة بعشرة جنيهات فيرميها بالجوار ويسعد باللعب ''بكرتون اللعبة'' الرخيص!. كان ثمن لعبة ابني 30 ريالاً تقريباً، وقد يكون هذا السعر مرتفعا في نظر البعض للعبة بهذا الشكل، خصوصاً عندما تقارنها بألعاب ''كل شيء بريالين'' واسعة الانتشار في مدننا، وإن كانت معظم سلعهم بخمسة ريالات فأكثر! والحقيقة أن تلك اللعبة رخيصة إذا ما أخذت في اعتبارك معيار الجودة وسلامة الاستخدام على أطفالك، لعبة جميلة وخالية من المواد الخطرة ومتينة تقاوم الكسر لأكثر من خمس سنوات، بينما تتكسر عشرات الألعاب بين أيديهم في أيام أو أسابيع متجاوزاً تكلفة تلك اللعبة الجيدة بأضعاف مع تعرضهم لأخطار الألعاب الرخيصة ذات الجودة الرديئة. ولتكن معي في الصورة دعني أعرض لك بعضا من مساوئ وأخطار هذه الألعاب الرخيصة ذات الجودة الرديئة:
1 ــ سريعة التلف والكسر وفي هذا خسارة لأموالك وتحطيم لآمال أطفالك بالاستمتاع باللعبة ولو لساعات.
2 ــ تعرض أطفالك بعد الكسر لأخطار الإصابات المباشرة بشظاياها الحادة أو ابتلاع بعض القطع الصغيرة منها.
3 ــ البطاريات الرخيصة ذات الجودة الرديئة التي تأتي مع أكثر تلك الألعاب تحتوي على المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم والنيكل، ومع انتهاء الصلاحية السريع لمثل هذه البطاريات فإن التخلص منها بطرق غير سليمة يعرض الأطفال والبيئة للخطر الكبير، كما أن تسرب مادتي الزئبق والرصاص منها نتيجة الحرارة أو مص الأطفال لها تمثل خطراً كبيراً على صحتهم، فكثير من الجهات الطبية والمهتمة بالشؤون الصحية حول العالم تؤكد أن الجهاز العصبي للإنسان The nervous system حساس جداً لكل أنواع الزئبق Mercury، ويمكن أن يلحق الزئبق الضرر بصورة دائمة بالدماغ والكلى ووضع الجنين، ويمكنك أن تبحث عبر مواقع البحوث العلمية والطبية في الإنترنت عن هذه المادة لتجد العجب حول أضرارها.
4 ــ تلك الشركات المنتجة للألعاب الرديئة لا تهتم كثيراً لنوع البلاستيك الذي تصنع منه تلك الألعاب، لذا تحذر بعض جماعات حماية المستهلك في الدول الغربية أولياء الأمور من شراء الألعاب البلاستيكية اللينة لإمكانية احتوائها على مواد كيماوية سامة Toxic Chemicals. والحديث هنا يطول حول خطورة بعض أنواع البلاستيك التي تحتوي على مواد مسرطنة تتحلل بمجرد تعرضها لمضغ الأطفال أو للحرارة الشديدة أو التجميد، وهناك موضوع قادم ـ بإذن الله ـ حول البلاستيك بين المنافع والمخاطر على الصحة والبيئة.
لا شك أن المنتجات الصينية والتايوانية كما تغزو أسواقنا تغزو كذلك أسواق الغرب بكل المنتجات الاستهلاكية والكمالية وعلى رأسها ألعاب الأطفال لكن بمواصفات رخيصة وبشكل معقول وأكثر جودة وسلامة مما لدينا وهذا الشيء مشاهد ومجرب في عدة دول غربية. أعلم أنه صدرت مجموعة من المواصفات القياسية السعودية الخاصة بلعب الأطفال مثل الاشتراطات العامة للسلامة، والاختبارات الميكانيكية والكيماوية، والقابلية للاشتعال، وطرق اختبار لُعب الأطفال، كما أعلم أن الغرف التجارية الصناعية السعودية أكدت على أهمية إرفاق شهادة كيماوية عند التوريد تفيد بخلو لعب الأطفال من المواد الكيماوية الضارة وفقاً لتوصيات اللجنة المشكلة لتحديث المواصفات الخاصة بلعب الأطفال والتي تشمل أيضاً التوصية بخلو مادة تصنيع الألعاب ومركباتها من المواد السامة ومن الحواف والقطع الحادة، وأن تتحمل الألعاب المصنوعة من البلاستيك درجات الحرارة العالية، وإذا كانت مصنوعة من الأخشاب فلا بد من خلوها من التصدعات والشقوق والتعفن والنخر، وأن تكون الألعاب قوية ومتينة وذات جودة تؤهلها لتحمل حركة الأطفال، والعمل بحركة انسيابية، مع أهمية توافر شروط الأمان والسلامة كما تم ذكر ذلك في ''الرياض الاقتصادية'' في عددها ليوم الأحد 12 رمضان 1431هـ.
ختاماً، أنصحك أخي الكريم بأن تجعل للألعاب قيمة في نفوس أطفالك تدفعهم للإبداع وتزيد من فرحتهم عبر توقيتها على فترات ومواسم مثل الأعياد، وعند النجاح، وعند القدوم من السفر، وهنا يمكنك شراء ألعاب مميزة وذات جودة عالية وخالية من المخاطر الصحية على أطفالك ولو بسعر مرتفع نسبياً، بدلاً من إهدار أموالك في العشرات من الألعاب الرخيصة بمناسبة أو دون وتعريض أطفالك لأخطارها وإفقادهم قيمتها المعنوية والتربوية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، أدعو وزارة التجارة وهيئة المواصفات والمقاييس والغرف التجارية وكل الجهات ذات العلاقة بحماية المستهلك لدينا لاتخاذ وتفعيل التدابير والإجراءات عملياً وبشكل جاد للحد من إغراق المصانع الصينية وغيرها لأسواقنا بمنتجات أقل تكلفة من الكرتون الذي يغلفها، وحماية أبنائنا وبيئتنا من مخلفات تلك المنتجات وآثارها القاتلة، وإيقاف نزيف إنفاق المليارات على شرائها سنوياً وهي لا تسمن ولا تغني من جوع ، كما لا بد من إلزام شركات الاستيراد بالالتزام الحقيقي بمواصفات الجودة والسلامة ويمنع إدخال كل البضائع التي لا تطابقها.
ودمتم بخير وسعادة.