الناس أعداء ما جهلوا

موافقة مجلس الوزراء في جلسة الإثنين 20/9/1431هـ, على قيام وزارة الثقافة والإعلام "بالترخيص لجهات غير حكومية تكون معتمدة ومتخصصة في الشؤون القانونية بقصد جمع الأنظمة من مصادرها وتصنيفها وإعادة طباعتها ونشرها، وذلك وفقا لضوابط تضعها الوزارة بالتنسيق مع وزارة المالية والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات", تمثل نقلة إيجابية في نشر الأنظمة، ورفع مستوى الوعي القانوني في المملكة، ويسهل على الباحثين والمتخصصين الوصول إليها.
نشر الأنظمة في الجريدة الرسمية, وهي جريدة "أم القرى", مقتضى منطقي ونظامي نصت عليه المادة 71 من النظام الأساسي للحكم (1412): "تنشر الأنظمة في الجريدة الرسمية وتكون نافذة المفعول من تاريخ نشرها ما لم ينص على تاريخ آخر". حيث إنه لا يعذر بالجهل بالأنظمة، لكن في المقابل يجب أن تصل الأنظمة والقرارات الصادرة لعلم الجميع بالوسيلة التي يحددها القانون وهي النشر في الجريدة الرسمية.
أسس الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ عام 1343هـ, جريدة "أم القرى" في مكة المكرمة, وتصدر حاليا نهاية كل أسبوع. ومع أنه أصبح لها موقع على شبكة الإنترنت، وخضعت لتطوير في السنوات الأخيرة؛ إلا أن انتشارها محدود جدا، ولا تخضع لتوزيع منتظم في منافذ البيع يسهل الحصول عليها وقراءتها، والمهتمون فقط يشتركون بها ليضمنوا وصولها والاطلاع على ما يعنيهم من أخبارها. لذلك؛ لا تستغرب عزيزي القارئ إن لم تكن قد قرأتها أو اطلعت عليها أبدا.
تنشر هيئة الخبراء في مجلس الوزراء والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات على موقعيهما على شبكة الإنترنت العديد من الأنظمة؛ كما أن بعض الأجهزة الحكومية تنشر ما يخصها من أنظمة على مواقعها أيضا. إلا أن الطفرة التنظيمية التي تمر بها المملكة على صعيد سن أنظمة جديدة أو تعديل أنظمة قائمة يتجاوز إجراءات تحديث هذه المواقع. فضلا عن أن عرض للوثائق القانونية في بعض المواقع الرسمية لا يزال تقليديا للغاية؛ إذ هو فقط مسح ضوئي لهذه الوثائق، لا يوفر خصائص البحث عن أي محتوى في هذه الوثائق.
لا يجب حصر جهود نشر الأنظمة فيما يصدر من أنظمة (قوانين) فقط؛ إنما يجب توسيع دائرة هذه الجهود لتشمل كل الوثائق القانونية؛ كاللوائح والقرارات. كما لا يكفي الاعتماد على جهود الوزارات والمصالح الحكومية (الاجتهادية) في نشر هذه اللوائح والقرارات, إنما إيجاد قناة رسمية موحدة لنشرها وتحديثها بشكل دوري منتظم وفق نظام المركز الوطني للوثائق والمحفوظات (1409).
إن ضعف نشر الوثائق القانونية في المملكة يؤثر سلبا في أداء الأجهزة الحكومية, لغياب المعلومة القانونية في كثير من الأحيان بين الموظف والعميل (أو المراجع وفق مصطلح البيروقراطية لدينا). النظام لا يسمح! أو الشروط غير مكتملة! عبارات تتردد دائما، لكن عند السؤال عن المرجعية القانونية لهذا الرفض تختفي الإجابة. كثير من الحالات لا تستدعي أن يتوجه طالب الخدمة إلى محام متخصص ليستشيره في أمر كان يمكن له معرفته لو توافرت المعلومة القانونية بشكل أفضل.
يفترض في الأنظمة واللوائح والقرارات أن تكون ميزان العدل في تنظيم المصالح والحقوق في أي مجتمع. ولا نتوقع أن يحيطها الناس بالاحترام والالتزام ما لم يتمكنوا من الاطلاع عليها. لا أقول اطلاع المتخصص الناقد, إنما، على الأقل، أن نوفر ونيسر فرصة علمهم بها؛ فالناس أعداء ما جهلوا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي