أمراء المناطق يشخصون معوقات التنمية في السعودية
حدد أمراء المناطق في المملكة العربية السعودية، خلال اجتماعهم السابع عشر، الذي عقد بتاريخ 29 آب (أغسطس) 2010، برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، أبرز المعوقات والتحديات الداخلية، التي تواجه التنمية في السعودية.
في مقدمة القضايا التي ناقشها أمراء المناطق في اجتماعهم المذكور، احتياجات الشباب والشابات من المواطنين والمواطنات، للعمل وللسكن ولنواد ذات مستوى عال يقضي فيها الشباب أوقات فراغهم.
من بين القضايا كذلك التي ناقشها أمراء المناطق في اجتماعهم، أهمية الحرص على ضبط عدم التعديات على أملاك الغير وبعض أراضي الدولة، وتنظيم هذا الجانب، إضافة إلى بحث أوجه التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية في كل ما يتعلق بشؤون الخدمات العامة، التي تقدم للمواطنين والمقيمين، وأيضاً فيما يرتبط باحتياجات المناطق، بما يحقق التنمية الشاملة المستدامة بمفهومها الواسع والشامل.
دون أدنى شك، أن جملة القضايا التنموية، التي تم مناقشتها وإثارتها في اجتماع أمراء المناطق الأخير، وتوجيهات الأمير نايف بن عبد العزيز لأمراء المناطق، بضرورة إيجاد الحلول المناسبة لها، تنم عن إحساس سموه وإحساس أمراء المناطق بهموم المواطن، وحرصهم الشديد على تذليل الصعاب والعقبات كافة، التي تعترض حياته ومعيشته، وتضفي عليها شيئا من المشقة والعناء، لا سيما أن القضايا التي أثيرت في الاجتماع، تعد جزءا لا يتجزأ من اكتمال المنظومة والعملية التنموية المتكاملة والسليمة، مثل أهمية القضاء على أوقات الفراغ لدى الشباب، وإيجاد فرص عمل لهم، وتحسين مستوى الخدمات العامة والخدمات الأساسية.
إن إيجاد الحلول العملية المناسبة والملائمة، للمعوقات التي تواجه قضايا التنمية في بلادنا، سيساعد دون أدنى شك على تحقيق مستوى الرفاه وكرامة العيش، الذي تنشده الدولة للمواطن، بالذات في جوانب تنموية حساسة ومهمة للغاية، مثل خلق فرص عمل متكافئة للشباب والشابات، بالقدر الذي يقضي على تفشي ظاهرة البطالة في السعودية، التي بدأت تضرب بأطنابها وتستشري في شريان الاقتصاد السعودي، الأمر الذي أشار إليه الكاتب الدكتور عبد العزيز العويشق، في مقال نشر له في صحيفة "الوطن" في العدد 3616، عندما ذكر أن البطالة أصبحت في بلادنا ظاهرة مزمنة، ظل معدلها في حدود 10 في المائة طوال السنوات الثماني الماضية، على الرغم من أن الاقتصاد السعودي، قد تضاعف حجمه أكثر من مرة خلال تلك الفترة، وأوجدت مئات الآلاف من الوظائف، إلا أن معظمها كان من نصيب الوافدين.
مشكلة انتشار البطالة بين الشباب في السعودية، وعدم القدرة على خلق وظائف جديدة لهم، سيضاعف من حجم مشكلة أخرى مماثلة في السعودية، وهي مشكلة الفراغ لدى الشباب، لا سيما في ظل غياب وجود مراكز أحياء في المناطق، تضطلع بمسؤولية إيجاد أنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية، تعمل على امتصاص أوقات الفراغ لدى الشباب، حيث إن فشل مراكز الأحياء في القضاء على أوقات الفراغ لدى الشباب، ضاعف من الانعكاسات السلبية لمشكلة البطالة في السعودية، لأن البطالة عادة ما يصاحبها وجود فراغ قاتل لدى العاطلين عن العمل، وحدوث أزمات نفسية ومالية واجتماعية، قد تضطرهم ــــ لا سمح الله ـــــ وبالذات من فئة الشباب، للجوء إلى ممارسات والقيام بأعمال خاطئة، مثل السرقة أو الوقوع في مخاطر ومنزلقات التطرف والتشدد الفكري والإرهاب، بغية تأمين مصدر للعيش، أو في معظم الأحيان تكون كنتيجة أو ردة فعل، هدفها الأساسي الانتقام للنفس وللذات من المجتمع ومن المحيط الذي يعيش فيه العاطل عن العمل. خشية من وقوع الشباب في مثل هذه المنزلقات والمخاطر، شددت القرارات التي تمخضت عن اجتماع أمراء المناطق، على ضرورة العناية بالشباب، وتدارس جميع السبل الكفيلة بإيجاد فرص عمل لهم، بما في ذلك القضاء على أوقات الفراغ لديهم، عن طريق إنشاء أماكن للترفيه والملاعب الرياضية، الأمر الذي يتطلب تطوير آليات عمل مراكز الأحياء بالمناطق، ومنحها الصلاحيات والأموال اللازمة لتطوير إمكانياتها ومجالات عملها.
المشكلة التنموية الأخرى التي ناقشها أمراء المناطق في اجتماعهم، قضية إسكان المواطنين، التي أصبحت هي الأخرى تمثل إحدى القضايا الشائكة المرتبطة باكتمال العملية التنموية على الشكل المطلوب، لا سيما في ظل النمو المطرد على الوحدات السكنية، الذي يقدر بنحو 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، وأن نحو 70 في المائة من السعوديين لا يملكون منازل خاصة، لأسباب عديدة من بينها ارتفاع أسعار الأراضي، التي تستحوذ على نحو 60 في المائة من قيمة تكلفة المسكن، نتيجة للمضاربات المحمومة على الأراضي، كما أن عدم وجود أسواق أولية وثانوية للعقار في المملكة بمفهومها العلمي المتطور، قد فاقم بشكل كبير من مشكلة الإسكان في السعودية، وأصبحت القيمة الإيجارية للوحدات السكنية، ستنزف الجزء الأكبر من دخل المواطن (نحو 60 في المائة).
آخراً وليس أخيراً وجه الأمير نايف بن عبد العزيز أمراء المناطق، بضرورة بذل الجهود للتحسين من مستوى الخدمات العامة والأساسية، التي تقدم للمواطنين وللمقيمين على حد سواء، لا سيما أن عددا من الخدمات العامة والأساسية، بدأت تعاني تدنيا ملحوظا في مستواها، مما تسبب في إزعاج المواطنين والمقيمين، حيث على سبيل المثال، الطلب المتنامي على الطاقة الكهربائية وعلى المياه وعلى خدمات النقل العام، والذي لم يقابله وللأسف الشديد نفس القدر من التوسع والنمو في حجم تلك الخدمات، قد ضاعف من معاناة المواطن والمقيم، وعرض حياتهما اليومية للمشقة والمعاناة.
إن تمكين أمراء المناطق من تحقيق الأهداف التنموية المنشودة، ومعالجة المعوقات التنموية المختلفة، يتطلب منح أمراء المناطق المزيد من الصلاحيات المالية والإدارية، بالذات فيما يتعلق بتحديد أولويات الإنفاق، وجدولة تنفيذ المشاريع التنموية، بما يخدم مصالح المنطقة واحتياجاتها التنموية، كما أن منح استقلالية مالية وإدارية لأمراء المناطق، بالذات فيما يتعلق بإدارة نفقات وإيرادات المنطقة، سيمكنهم من الارتقاء بأداء المناطق وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة، التي تحقق للمواطن وللمقيم الحياة الكريمة، التي تتطلع إليها القيادة الرشيدة في بلادنا، والله من وراء القصد.