لماذا لا تنتقل هذه السكينة إلى خارج المسجد؟

يوم الأحد الماضي وبعد أن انتهى الإمام من التسليمة الأولى من صلاة التهجد، تقدم طفل إلى إمام المسجد وسلمه ورقة والناس تترقب لمعرفة سبب تقدم هذا الطفل جموع المصلين والصلاة لم تنته بعد، واتضح السبب حينما طلب الإمام من صاحب سيارة ذكر رقمها ونوعها أن يبعد سيارته لأنها أقفلت الطريق على السيارات الأخرى.
في المسجد نرى السكينة والطمأنينة والانضباط، كما نرى الإيثار والتسامح وحرص كل مصل على أن يُقوم ما يراه من تقدم أو تأخر من يقف إلى جانبه، ونرى الجميع يتقبل التوجيه بروح سمحة، دون أن تسمع لأحد صوتا، عدا همهمات المصلين وهم متأثرون بما يقرأه الإمام من آيات القرآن الكريم، وبمجرد انقضاء الصلاة يسارع أغلبية المصلين بالخروج من المسجد، وما إن تتجاوز أبواب المسجد حتى تجد عالما آخر يبدأ بفوضى الأحذية، ثم بفوضى أكبر تتمثل في طريقة وقوف السيارات حول المسجد، فكل له نظامه الخاص، وكل يسعى ليكون قريبا من باب المسجد حتى ولو أتى متأخرا دون مراعاة لشعور الآخرين ممن سبقوه إلى الصلاة، ودون تقدير لحق الطريق ودون رادع من نظام، ثم تبدأ الانطلاقة بالبحث عن أي مخرج قريب ومسابقة الآخرين وعكس المسار، ولا تفرق في هذا الأمر بين السائقين كبيرهم وصغيرهم عاقلهم وسفيههم، فالكل يعتقد أن قيادة السيارة لا علاقة لها بدين أو خلق، بل هي مهارة تعتمد على مقدار الجرأة التي يتحلى بها الإنسان.
ولهذا السبب فليس غريبا أن نسمع ونقرأ عن حوادث تقع قرب المساجد، أثناء الخروج من الصلاة، بعضها حوادث دهس وبعضها حوادث صدم.
إن الإشكالية التي نعيشها تتمثل في أن هناك فصلا كبيرا بين العبادات والمعاملات، فالكثير من الناس لا يرى لجانب المعاملات أهمية، ولا يعتقد أن لها ضرورة، فيغفلها من حياته حتى ولو كان ملتزما بجانب العبادات، وهذا الأمر يتطلب معالجة من قبل العلماء الذين يدركون أهمية المعاملات ودورها في قيام المجتمع والحفاظ على توازنه.
إن ما نحتاج إليه فيما يتعلق بالتعامل مع السيارة، هو فقه قيادة السيارة، وهذا جهد يجب أن يقوم به العلماء فيبينون موقف الشرع من تجاوز أنظمة المرور ومن التعدي على حقوق الآخرين، حتى ولو كان بالوقوف الخاطئ، فهل سيأتي يوم نرى فيه بسطا لهذه المسائل من الناحية الشرعية؟
إن من المهم أن ننتقل بالسكينة والوقار الذي نشهده في مساجدنا إلى خارج جدران المسجد ليكون طابعا يطبع حياتنا بدلا مما نشاهده في شوارعنا من فوضى سلوكية ندفع ثمنها كل يوم عبر ما نشهده من حوادث.
نقطة أخيرة وهي أن المساجد رغم توافر مواقف للسيارات قرب غالبيتها، خاصة الكبيرة منها، إلا أن الملاحظ أنه لا توجد مواقف خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة بمن فيهم كبار السن، بحيث تكون قريبة من الأبواب وتحترم خصوصيتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي