حرم معالي الوزير
طالعتنا إحدى الصحف المحلية بتصريح لحرم معالي الوزير؛ تؤيد فيه تطبيق أحد القرارات المهمة للوزارة التي يترأسها معالي الوزير زوجها، ثم أردفت قائلة إن الملف لم تستكمل معالمه في عهد الوزير السابق، وتتطلع إلى وجود خطط وآلية تنفيذية تسرع بتطبيق القرار المهم، وأنه في حاجة إلى دراسة ميدانية مطولة. وأشارت إلى أن معالي الوزير يحمل هم الموضوع، ولديه أفكار طبقها بهذا الشأن في مسيرته السابقة، ومن الممكن تعميم الفكرة الآن.
حق لكل مواطن الحديث في الشأن العام، وحرم معالي الوزير مواطنة وسيدة أعمال ويحق لها الحديث في الشأن العام؛ ولكن هل الحديث عن شأن يتعلق بالوزارة التي يقودها معاليه أمر مقبول في المملكة؟ وهل يتلقى المواطن هذا الحديث على أساس اعتبارات واقعية مفادها أنه ربما يعكس توجهات الوزارة وسياسة الوزير؛ لأن الحديث صادر عن حرمه؟
التقليد القائم في المملكة؛ أن أقارب المسؤول، مهما كانت قرابتهم ومهما كانت مسؤوليته، لا يقتربون سلبا أو إيجابا من الملفات الرسمية، حيث لا يخول بالحديث عن السياسات والقرارات إلا من خولوا العمل الرسمي في هذه الجهات، ولنا في قيادتنا الأسوة الحسنة. بعبارة أدق؛ المواطن يكفيه ما يصدره الوزير ونائبه ووكلاء الوزارة والمتحدثون الرسميون إن وجدوا؛ لأن العمل العام ليس ميدانا لكل راغب ومشتاق للحديث. يمكن لأقارب الوزير أن يتحدثوا عن كل الصفات التي يتحلى بها معاليه؛ والأصل أنه لم يتقلد المسؤولية إلا وهو أهل لها؛ أما الحديث عن العمل الرسمي؛ فله من يختص به أداء وتصريحا؛ فالوظيفة العامة كالمال العام تعنينا جميعا، ويجب ألا يقترب منها إلا من أوكل بها.
الحديث عندما يصدر من قريب يتوقع منه أنه ''يجيب العلم'' يمكن أن يؤخذ على محمل الجد لدى الكثير، ويفهم أن هناك قرارات جديدة أو سياسات سيتم سنها، وربما يبنى على ذلك تخرصات بعيدة عن واقع الموضوع ولا تمت له بصلة. أنا لا أتحدث عن الموضوع الذي تحدثت عنه حرم معاليه؛ وإنما أعني الفكرة ذاتها، أي فكرة أن تتناول حرم معالي الوزير أو أي مسؤول حكومي شأنا يتعلق بوزارته أو الجهة التي يعمل بها؛ حتى وإن كانت هي كمواطنة معنية بهذا الشأن.
أمور الجهات الحكومية متنوعة بتنوع اختصاصاتها، ولا خلاف أن الملفات كثيرة؛ وإذا فتح الحديث لكل قريب أو صديق تربطه علاقة أو معرفة بصاحب القرار؛ فلن تنته التصريحات، ولن نعرف الحدود بين الأفكار وبين القرارات. بل قد تتضارب التصريحات بين من يمارسون العمل الرسمي وبين من يملكون النفوذ الحقيقي والاتصال المفتوح؛ خاصة إذا تلقت الصحافة هذه التصريحات واطلع المواطن عليها، أي أنها ليست أحاديث مجالس تقيدها أمانة المجلس؛ وإنما هي أحاديث عامة منشورة في صحيفة سيارة.
أعباء الوزارة، أي وزارة كانت، ثقيلة؛ ولعل من أعبائها أن يزن كل المحيطين بالوزير ظروف العمل العام وطبيعته، ويراعون تقاليد الوظيفة الحكومية وحساسيتها؛ فينأون بأنفسهم وبمن تولوا المسؤولية وحملوا الأمانة؛ عن الحديث في أي أمر يتعلق بالمهام الرسمية، ويتركون الوزارة وشأنها لمن تدفع الحكومة رواتبهم وتتحمل الخزانة العامة امتيازاتهم؛ ففيهم الخير والبركة، والساحة لا تتسع لمزيد من التصريحات والتلميحات، ونرجو ألا نسمع أن متحدثا رسميا لوزارة أو جهة حكومية ما يصرح بتأكيد أو نفي ما جاء على لسان حرم معالي الوزير. نفع الله بالجميع.