خفض التصنيف الائتماني للبحرين

في تطور غير لافت الأسبوع الماضي، قررت وكالة موديز لخدمات المستثمرين تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين, فضلا عن تقديم نظرة سلبية مستقبلية للقطاع المصرفي المحلي. خلافا للتقارير التي تصدرها المؤسسات العاملة الأخرى في مجال التصنيف الائتماني مثل ''ستاندرد آند بورز'', إضافة إلى ''فيتش''؛ تتمتع التقارير التي تصدرها ''موديز'' بالكثير من المصداقية، كونها تصدر بصورة مستقلة وليست نزولا عند طلب الجهات التي يتم تقييمها. تمنح كل من ''ستاندرد آند بورز'' و''فيتش'' الدرجة الائتمانية A للبحرين.

نقطة التوازن

بشكل محدد، خفضت ''موديز'' أدوات الدين الحكومية للبحرين من A2 إلى A3 لأسباب موضوعية. ويتمثل السبب الجوهري في تدهور المرونة المالية بالنظر إلى تعزيز النفقات الحكومية, فضلا عن الارتفاع النسبي لمتوسط سعر النفط لتحقيق التوازن في المالية العامة. حسب التقرير، احتاجت البحرين إلى متوسط سعر قدره 80 دولارا لبرميل النفط عام 2008، مقارنة بـ 30 دولارا للبرميل في 2004، للوصول إلى نقطة التوازن في المالية العامة. لا شك يعد الرقم المطلوب لتحقيق نقطة التوازن للمالية العامة في البحرين صعبا لأنه يزيد على متوسط سعر النفط في الأسواق العالمية.
حقيقة القول، فرضت نقطة التوازن المرتفعة نفسها بالنظر إلى الزيادة المطردة في النفقات العامة في السنوات القليلة الماضية. على سبيل المثال، ارتفعت قيمة النفقات الفعلية للميزانية العامة من نحو 5.4 مليار دولار في السنة المالية 2008 إلى 5.7 مليار دولار في 2009 بقصد التكيف مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. تعتبر مصروفات القطاع العام حيوية في البحرين، كونها تشكل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي.
معضلة الصندوق السيادي

كما جاء في التقرير، تعاني المالية العامة معضلة عدم وجود مرونة أو هامش للمناورة, وذلك بالنظر إلى الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في الاقتصاد المحلي. يسهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة, ما يعني جليا أن الاقتصاد البحريني لا يزال أسير تطورات الأوضاع في سوق النفط العالمية.
مع الأسف الشديد، حتى الآن لم تتكلّل جهود البحرين في تنويع إيرادات الخزانة العامة, بل جاءت نتائج شركة ممتلكات القابضة لعام 2009 مخيبة للآمال بعد أن مُنيت بخسائر صافية قدرها 485 مليون دولار بسبب الأزمة المالية العالمية, فضلا عن خسائر شركة طيران الخليج وتذبذب أسعار الألمنيوم. تعتبر شركة ممتلكات بمثابة الصندوق السيادي للبحرين منذ منتصف 2006, حيث تدير استثمارات الدولة خارج القطاع النفطي, فضلا عن العقارات. تصل قيمة موجودات ممتلكات إلى نحو 12 مليار دولار.
وفي السياق نفسه، لم تفلح جهود الحكومة في فرض ضرائب على أرباح الشركات بسبب وجود معارضة لفرضها على الشركات الأجنبية دون المحلية، ما يشكل نوعا من التمييز, وعليه يعد مرفوضا عالميا.

مشكلة قطاع الخدمات المالية

من جهة أخرى، أبدت ''موديز'' نظرة مستقرة للتصنيف السيادي للبحرين, لكنها قدمت نظرة سلبية للقطاع المصرفي لأسباب تتعلق بانكشاف المؤسسات المالية العاملة في البحرين لقطاع العقارات, الذي يعاني ضعفا على المستويين المحلي والإقليمي, إضافة إلى ذلك، هناك مسألة المنافسة الإقليمية المتنامية من مركز دبي المالي العالمي وقريبا مركز الملك عبد الله المالي في الرياض.
تعتبر النظرة المستقبلية السلبية لقطاع الخدمات المالية مثيرة بالنظر إلى الأهمية النسبية للقطاع، كونه يسهم بنحو 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة. لكن تقل هذه النسبة إلى نحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية, أي بعد قطاع النفط والغاز.
حسب إحصاءات مصرف البحرين المركزي، بلغت القيمة الكلية لموجودات مصارف قطاعي التجزئة والجملة نحو 222 مليار دولار عام 2009. يقل هذا الرقم عن عام 2008 عندما بلغ 252 مليار دولار. وحدث هذا التراجع كنتيجة مباشرة لتداعيات الأزمة المالية العالمية التي برزت في النصف الثاني من 2008 وتسببت في تصدع الثقة بالاقتصاد العالمي برمته.
يعد هذا الرقم كبيرا نسبيا قياسا بالإحصاءات الحيوية للاقتصاد البحريني، حيث بلغ حجم الناتج الإجمالي في نهاية عام 2008 تحديدا 21.8 مليار دولار بالأسعار الجارية, أي غير المعدلة للتضخم وارتفاع الأسعار. في المقابل، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة للسنة نفسها 12.5 مليار دولار.

تكلفة الاقتراض

على هذا الأساس، تزيد قيمة أصول المؤسسات المالية بواقع عشر مرات على الناتج المحلي الإجمالي للبحرين بالأسعار الثابتة, وأكثر من ذلك بالأسعار الجارية. وهنا مكمن الخطر، حيث لا تتوافر إمكانات مالية ضخمة في البحرين لتقديم العون في حال ظهور مشكلات غير عادية في القطاع المالي.
ختاما من شأن تخفيض المستوى الائتماني رفع تكلفة الاقتراض أو الفوائد المترتبة على التمويل المقدم للبحرين نظرا لارتفاع درجة المخاطرة. ومن حسن حظ البحرين نجاح شركة ممتلكات في استصدار سندات بقيمة 750 مليون دولار في حزيران (يونيو) الماضي في الأسواق العالمية, أي قبل تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي