طلوع سهيل اليماني

ما إن يحل علينا آب (أغسطس) المعروف بحرارته الشديدة (آب اللهاب)، الذي فيه تنضج الثمار - حتى أتذكر أشجار التوت البري - تلك الأشجار الوارفة الظل الباسقة التي كانت تُجمل الممر الداخلي لنادينا، وأتذكر ثمارها ذات اللون الكستنائي الجميل التي تجلل تلك الأشجار، التي لا تكاد تراها لتشابه ألوانها الخضراء بأوراق تلك الأشجار لكن عندما تنضج في الأسبوع الثالث من آب (أغسطس) وتستوي تلك الثمار ويميل لونها إلى السواد الفاتح الممزوج باللون الأحمر فإن العين لا تكاد تخطئها وعادة ما يسقط بعضها على الممر فتزين أرضيته وتنقشها بألوان حمراء قانية يشوبها السواد، وكنت استمتع بتلكم المناظر الخلابة التي تتكرر كل صيف وأنتقي الأحسن من التوت وأحمله للمنزل لأتناوله مع العائلة. كل تلك الثمار تذكرني بقرب طلوع نجم سهيل ذلك النجم اللامع الذي يطل علينا من الأفق الجنوبي باتجاه اليمن، ويظهر سهيل عادة في 25 آب (أغسطس) أو ربما قبل ذلك بيوم أو بعده بيوم، لذا سُمي (سهيل مكذب العداد) والتقويم القطري المعروف لهذا العام يشير إلى أن طلوع سهيل سيكون في (14 رمضان – 24 أغسطس) والعرب يحبون الحديث عن سهيل لجماله وبهائه وعلاقته بنضج الثمار ودليلهم للجنوب ومبشرهم ببدء انخفاض الحرارة، لذلك ذكره الشعراء وتغنى به المحبون والمنشدون وسرى بذكره الركبان واهتدوا به إلى مراعيهم وديارهم، وهذا ما جعلني مولعاً بالكتابة عنه وعن الفلك عامة، وكأن الله تعالى خلق هذا النجم المتميز ليعرف سكان الجزء الشمالي من الأرض أن الثمار قد استوت على سوقها وحان قطافها ولم تعد تحتاج لمزيد من الحرارة، وينبه إلى أن الحرارة في انخفاض وخاصة في الليل وأن الصيف بدأ يلملم أردانه ويتوارى خلف الأفق ليتقدم الخريف ليحل مكانه، والناظر لهذا النجم يستمتع برؤيته لشدة لمعانه ووميضه المستمر وكأنه يقول: أنظر إلي، وعندما تحدق فيه تكاد تجزم بأنه يتحرك وكأنه جرم سماوي يقترب من كوكب الأرض. وسهيل يعتبر تاني ألمع نجم في السماء بعد الشعرى اليمانية إذا ما استثنينا النجم الأكبر - الشمس، وجاء في المنجد أن (سهيل نجم بهي طلوعه على بلاد العرب في أواخر القيظ) ومتوسط حرارة سطحه يصل إلى (7000 درجة) مئوية بينما الشمس لا يزيد متوسط حرارتها على (6000) درجة مئوية، لذلك فقد أبعد - الله تعالى - سهيلا عنا (1200) سنة ضوئية لنستفيد منه ونستمتع برؤيته دون أن يصلنا منه شواظ من نار. ولا شك أن الفلك لم قديم جدا وحديث في نفس الوقت والعلماء بما لديهم من خبرات ووسائل متقدمة لم يستطيعوا سبر غور الفلك المترامي الأطراف الذي يلفه الكثير من الغموض والإعجاز، ولم يستطع الإنسان سوى معرفة القليل جدا منه، ولا شك أن الفلك أكثر دقة وإعجازا من خلق إنسان، وأن الله - جل جلاله - بديع السموات والأرض أبدع وخلق الفلك بصور وأشكال رائعة غير مسبوقة (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) غافر 57.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي