الفشل الكلوي.. وجع التجربة

عام 2003م .. وفي نهايات واحد من شتاءات الطائف.. أصيب والد زوجتي ــــ رحمه الله ــــ بالفشل الكلوي، وتم تنويمه في مستشفى الملك فيصل بعد معاناة أيام في المستوصفات والمراكز الطبية الأهلية.
في أول زيارة له بعد تنويمه وخضوعه للغسيل في مشفى محدود الإمكانات كهذا، آنذاك،.. لفت انتباهي بالكامل الصورة السريرية للمريض.. فدم المصاب بالفشل الكلوي يخرج من جسده، ويضطر المريض لائتمان آلة على سائل حياته الأحمر، فيما يستسلم هو لانتفاخ تدريجي في أوردة جسده.. خصوصاً في منطقة الذراعين! وفي بعض حالات كبار السن.. كنت أرى الأوردة تصل إلى حجم مقارب لحجم الأنابيب المتصلة بأجسادهم.. وربما أكبر في مناطق مختلفة من الجسد!
الصورة قاسية جداً.. ويزيد من قسوتها آلام المرضى المضطرين للانتظار طويلاً في أحيان بسبب قلة عدد أجهزة ومحدودية إمكانات المستشفى في التجهيزات والطواقم.
لم يطل جد أولادي البقاء في هذا العناء.. فرحل عن دنيانا في ذلك العام، إذ لم يساعده واهن جسده على مطالب الغسيل المنهكة في ظل المتاح.
كنت آمل وأتخيل حينها مصير الأطفال المصابين بالفشل الكلوي.. وأتساءل فيما أبتسم تشجيعاً لبعضهم: ترى كم سيطول عناء مخلوقاتك البريئة هذه؟ وهل سيتيسر لهم وجود متبرع ينتشلهم من شقائهم هذا؟.. ومتى؟ ألا يمكن لهذا الطفل أن يحصل على عناية منزلية تساعده على تنقية دمه وتمكنه من مواصلة دراسته مع أصدقائه بدلاً من انقطاعه لفرص الغسيل المحدودة في المستشفى؟ عشرات الأسئلة تحاصر كل من قدر له المولى الولوج إلى وحدة غسيل دموي لمرضى الفشل الكلوي، وأحسب أن أحرجها وأشدها وجعاً هو المتعلق بالأطفال وكبار السن!
أقف اليوم وبعد سنوات على خوض تجربة مؤلمة مع جد أولادي حينما أصيب بالفشل الكلوي، وأراقب جهداً تبذله جمعية ''كلانا'' في سبيل تطوير الخدمات وتنويع مصادر الدخل وتعزيز قدرة المرضى على مواصلة العلاج.. وأعلم يقيناً حجم المعاناة في العمل الاجتماعي بسبب تجارب مع خدمات إنسانية مشابهة في مجالات شديدة التعقيد. الحقيقة الأقرب للإدراك في معضلة الفشل الكلوي هي إمكانية تقبل المتلقي ذهنيا لمشهد المعاناة.. وبالتالي التفاعل معها إنسانياً، بعكس ما يعانيه العاملون على رفع الوعي بمعضلات كالتوحد أو اضطرابات النمو التفاعلية مثل ضعف الانتباه والنشاط الزائد وغيرها.
على المستوى الشخصي، فخور جداً بالجهد المبذول من القائمين على جمعية ''كلانا''.. وأعتقد أن عامل الإصرار سينتقل بالجمعية إلى مساحات أرحب من العطاء، والتواجد مع أكبر عدد ممكن من متلقي الخدمات في مختلف المدن والقرى السعودية رغم مشقة المهمة وصعوبة المشوار. وقد خصصت الجمعية رقما لرسائل الدعم هو 5060 لتسهيل المهمة على كل راغب في دعم الجمعية ماديا بقيمة عشرة ريالات للمرة الواحدة، كما تتيح خيارات أخرى بشكل شهري وسنوي من خلال الرسائل النصية أيضاً.
المجتمع المدني الذي نعايشه ونعيش فيه، يتطلب وجود عنصر بشري داعم ومدرك لأهمية توزيع الهم الاجتماعي على مختلف الشرائح فيه. وأحسب أن المجتمع السعودي متميز كثيراً بحرصه على المساندة الإنسانية.. ولا أدل على هذا من نتائج جمع التبرعات لضحايا السيول والفيضانات في باكستان قبل أيام!
مرضانا في الداخل في حاجة إلى دعمنا كإخوتنا في الخارج.. ونحن بعون الله قادرون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي