فرحة الصائم: هل هي الدراما والنقد الاجتماعي؟
عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: ''للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه'' رواه البخاري ومسلم.
عقب يوم كامل من الاحتساب والصبر والطاعة يفرح الصائم بفطره وبرضاء ربه، ومن المفترض أن يرتاح بعد ذلك، وكما جرت عليه العادة تلتف العائلة حول التلفاز لمشاهدة البرامج التي من المفترض أن تكون ترفيهية ومرادفة لفرحة الصائم، ولكن يفاجأ الصائم بوجود هذا الكم الهائل والمتسلسل من البرامج والمسلسلات التي وضعت لنقد ونشر غسيل المجتمع. بالرغم من وضعها في قالب كوميدي، إلا إنها تعلب دورا في إدخال الصائم في حالة من الإحباط السيكولوجي الذي ينبع من تفكيره بحكم أنه فرد في هذا المجتمع. تنتهي برامج نقد المجتمع وتبدأ مسلسلات الدموع والأحزان وإظهار المجتمع بالصورة المتجنية المليئة بالمخدرات والطلاق والسحر.
ألا ترون أننا نترك الـ 11 شهرا الموجودة في السنة ونصُبّ جميع ما يوجِع القلب ويسمُّ البدن في هذا الشهر الفضيل. حاولت جاهدا أن أرجع بالذاكرة لأستنتج متى حصل هذا التغيير النمطي في حياتنا، وكيف تحولت فرحتنا بالإفطار إلى الغم والحزن والنقد الاجتماعي، تركت لذاكرتي العنان للرجوع في التاريخ، ويظهر أني أسهبت قليلا في الرجوع، ربما أني وصلت إلى زمان (على مائدة الإفطار والشيخ علي الطنطاوي ـــ رحمة الله عليه ـــ)، ذلك زمن بعيد دعونا لا نذهب إلى تلك الحقبة من الزمن، ونبحث عن سبب هذا التغيير في التاريخ القريب.
قبل أن ندخل في تحليل المسببات يجب أن نفهم بعض الأمور الخاصة بواضعي البرامج التليفزيونية والنظر في التقنيات المتّبعة لزيادة الدخل من بيع الدقائق والثواني الدعائية. يجري تركيز القنوات على ما يعرف بوقت الذروة الدعائية أو Prime Time، وهو الوقت، الذي كما أسلفنا، يستقطب أكثر عدد من المشاهدين. عادة ما يتضاعف ثمن وقت الذروة لمن يريد أن يعلن عن منتجاته من الشركات، وبالتالي يقوم واضعو البرامج التليفزيونية بإدراج الدعايات في هذا الوقت، حيث يصبح ما تراه على الشاشة يتخلله 50 في المائة من الوقت الذي يعتبر دقائق دعائية. هناك منافسة شرسة بين القنوات التليفزيونية لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين، وعلى ما أعتقد هناك تقويم ترتيبي بين هذه القنوات، أظن أنه أسبوعي، تقوم به شركات كبرى متخصصة، ما أثلج صدري أن القناة السعودية الأولى تعد من القنوات المتقدمة في هذا التقرير.
تعتبر بعض المسلسلات، التي بدأ بثها منذ 17 عاما، هي نقطة التحول الحقيقية التي أنشأت ما يعرف بوقت الذروة الدعائية بعد الإفطار. لا أناقش هنا حيثيات ومضامين الحلقات، ولكن أبحث في مسببات التغيير النمطي الذي أدى بنا إلى الجلوس أمام التلفاز وتحمُّل هذا الكم الهائل من الدعايات والإعلانات التجارية. على ما يبدو أن النقد الاجتماعي ونشر غسيل المجتمع بين الأقوام الأخرى، راقَ لمعظم القنوات وأصبحنا نشاهد أربعة أو خمسة برامج بعد الإفطار، وجميعها تصب بصورة أو بأخرى في دائرة نقد المجتمع ويغلب على أكثرها التكرار. ربما أن العيب فينا نحن كمشاهدين؛ لأننا أصبحنا نتلهف على متابعة هذه البرامج ونحرص على ألا تفوتنا؛ لأنها ستُصِبح حديث المجالس، ولا بد لنا أن نكون ملمِّين بحديث المجالس، وخبراء التسويق يعرفون ذلك جيدا، مثال على ذلك عدم نجاح مسلسل شهير بعد تغيير اسمه. ناهيك عن بيع هذه الحلقات للقنوات التي لا تبثها في رمضان، ويتم بثها في الشهور التي تليه.
إذا كان هذا نوعا من الأعمال التجارية، فلا بأس؛ لأننا نعيش في عصر تفرض فيه الميديا نمط الحياة التي نعيشها، ولكن لي عتبا بسيطا على القائمين على إحدى القنوات بحكم أنهم تقريبا المسيطرون على الساحة. فقد كانت القناة تحرص على نقل شعائر صلاة المغرب حية على الهواء من الرحاب الطاهرة، ومن ثم تبدأ برامج ما بعد الإفطار، في وقتنا الحالي اكتفوا فقط برفع الآذان، وتبدأ بعد ذلك البرامج. وطالما أننا نتكلم من منطق الأعمال التجارية، فكيف غاب عن القائمين على القناة خسارة شريحة كبيرة في المنطقة الغربية لتضارب ذلك مع وقت صلاة المغرب في مكة المكرمة؟.. أليس من الأفضل الرجوع إلى بث شعائر صلاة المغرب من المسجد الحرام كما كان الحال سابقا؟.. بذلك ينالون ثواب بث الصلاة ويكسبون شريحة أكبر في المناطق الغربية من البلاد.
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية،،