وزير الوزارات
يا عالم الغيب ذنبي أنت تعرفه
وأنت تعلم إعلاني .. وإسراري
وإنت أدرى بإيمان مننت به
عليّ ... ما خدشته كل أوزاري
أحببت لقياك ... حسن الظن يشفع لي
أيرتجى العفو إلا عند غفار؟
هذه الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدته - رحمه الله - التي نشرت بـ''الاقتصادية'' يوم الإثنين الماضي بعنوان (حديقة الغروب)، عندما قرأت هذه القصيدة تذكرته ـــ رحمه الله ـــ عندما قمنا بزيارته لنقدم له تقريرا عن فرص العمل الخاصة بـ(باب رزق جميل)، وإذا بوقت الصلاة يدخل أثناء العرض فأمرني بالتوقف وقال لي ما رأيك أن نصلي ثم نكمل بعد الصلاة، وقمنا للصلاة فكان إمامنا في تلك الصلاة على الرغم من بدايات ظهور آثار المرض عليه، وبعد الصلاة قام وأدى صلاة السنة وطوال ذلك اللقاء لا أذكر أني رأيت البسمة تفارق محياه.
هذا هو معالي الدكتور غازي القصيبي الذي خدم الدولة على مدى أربعة عقود وأربع سنين فقد كان أستاذا جامعيا في جامعة الملك سعود ثم عميدا لكلية العلوم الإدارية في الجامعة ثم مديراً للمؤسسة العامة للسكك الحديدية ثم انتقل إلى العمل في مجال الوزارات فكان أشبه ما يكون بمن يضع حجر الأساس في كل وزارة يتقلد مهام العمل فيها، فقد كان وزيرا للصناعة والكهرباء بداية السبعينيات، ثم انتقل وزيراً للصحة ثم سفيراً في البحرين ثم سفيراً في لندن ثم وزيرا للمياه والكهرباء ثم وزيراً للعمل إلى أن توفاه الله عز وجل.
إنها مسيرة كفاح تستحق أن تروى، وأن تقدم للأجيال خصوصاً الطامحين فهذا الرجل انطلق في ذلك الطريق وهو لم يتجاوز الـ 25 عاما وأخذ يرتقي تلك المهام على الرغم مما واجهه من مصاعب ومشاق إلا أنه لم يستسلم لها وسعى نحو الإصلاح بكل ما أوتي من قوة فتارة بالترغيب وتارة بالترهيب ولم يقتصر نشاطه على العمل الحكومي أو الإداري بل كان شعلة ومنارا في الجانب الأدبي فتارة شاعرا وأخرى روائيا ومرة كاتبا وأديبا واختاره الله عز وجل ليكون وزيرا للعمل في آخر المشوار، وعلى الرغم مما واجهه من تحديات وعلى الرغم من الصعوبات والتعقيدات التي كانت موجودة أمامه في هذا الطريق؛ فقد حرص ـــ رحمه الله ـــ على أن يخرج من مكتبه الفاخر في عدة مناسبات ليلتقي بأبناءه في سوق العمل فيشجعهم ويقبل رؤوسهم ويشد على أيديهم ويفتخر بالمؤسسات الوطنية التي تسعى لإيجاد فرص عمل لهم ويبذل كل ما في وسعه لدعمهم ومساعدتهم، كان ـــ رحمه الله ـــ حريصا على تلمس مشكلات الشباب ومعرفة همومهم وسعى وعلى حساب صحته على مواجهة رجال الأعمال في كثير من المواقف ليكون في صف الشباب يدافع عنهم ويحرص على مصالحهم.
إن مسيرة هذا الرجل هي مسيرة الفارس الذي حرص في كل ما يوكل إليه على أن يصل إلى مرتبة الإتقان، فكان يعلم من حوله أهمية الانضباط والالتزام والحرص على الإنجاز وعلى الرغم من كثير من الاختلافات بشأن آرائه في بعض القضايا والتي قد يختلف معه البعض فيها فكثيراً ما كان ذلك الخلاف يحافظ على الاحترام والتقدير لوجهة النظر الأخرى فكسب بذلك احترام الكثيرين ممن لم يتمكنوا من محبته.
لقد طويت صفحة هذا الرجل وأغلق القبر عليه في هذه الأيام المباركة وهو بين يدي الرحمن، اليوم وقد انقطع عمله الفردي، ولكن نسأل الله أن يستمر عمله من خلال صدقاته الجارية والعلم والأدب الذي قدمه للناس والولد الصالح الذي يدعو له دائما. إنا لله وإنا إليه راجعون.