تضارب توقعات نمو الطلب على النفط

صدرت في الأسبوع الماضي ثلاثة تقارير شهرية تباينت توقعاتها لنمو الطلب على النفط لعامي 2010 و2011، فبعد صدور تقرير إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية في بداية الأسبوع، صدر تقرير وكالة الطاقة الدولية وسط الأسبوع، ثم صدر تقرير ''أوبك'' في نهاية الأسبوع.

نمو الطلب على النفط
رفعت كل من ''أوبك'' ووكالة الطاقة الدولية توقعاتهما لنمو الطلب على النفط مقارنة بتوقعاتهما السابقة، بينما أبقت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على توقعاتها كما هي. ورغم أن توقعات وكالة الطاقة الدولية هي الأعلى، حيث تتوقع نمو الطلب على النفط بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا ليصل إلى 86.6 مليون برميل يومياً، إلا أنها الأكثر حذرا وتشاؤما، حيث ذكرت في تقريرها الأخير أن تدهور أوضاع الاقتصاد العالمي سيلغي نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2011. أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإنها تتوقع أن ينمو الطلب في العام الحالي بمقدار 1.6 مليون برميل يوميا، بينما تتوقع ''أوبك'' أن يرتفع الطلب بمقدار 1.05 مليون برميل يوميا.
والتضارب في توقعات الطلب على النفط لا يقتصر على عام 2010، بل يمتد إلى عام 2011، ففي الوقت الذي تتوقع فيه ''أوبك'' نمو الطلب على النفط عام 2011 في حدود مليون برميل يوميا، تتوقع وكالة الطاقة الدولية نموه بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا، بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية نموه بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا. وإذا نظرنا إلى هذه التوقعات نجد أنها تفترض انتعاشا اقتصاديا عام 2010، ثم تباطؤ النمو الاقتصادي عام 2011. لكن يبدو أن الانتعاش الاقتصادي كان أبطأ مما كان متوقعا بشكل كبير، فإذا حصل الانتعاش عام 2011، فإن الطلب على النفط سيكون أعلى من توقعات هذه المنظمات الثلاث، وقد يتجاوز 1.8 مليون برميل يوميا. في الجانب الآخر فإن هناك تخوفا من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة عام 2011 بسبب سحب جزء كبير من الجيش الأمريكي من العراق في هذا العام وانخفاض الإنفاق العسكري.

نمو إنتاج دول خارج ''أوبك''
تضاربت التوقعات بشأن إنتاج النفط خارج دول ''أوبك'' في عامي 2010 و2011، ففي الوقت الذي تتوقع فيه وكالة الطاقة الدولية زيادة إنتاج دول خارج ''أوبك'' بمقدار 900 ألف برميل يوميا ليصل إلى 52.6 مليون برميل يوميا، تتوقع إدارة معلومات الطاقة زيادته بمقدار 700 ألف برميل يوميا، بينما تتوقع ''أوبك'' زيادته بمقدار 800 ألف برميل يوميا. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد عدلت توقعاتها بشكل كبير في تقريرها الأخير، حيث رفعت توقعاتها لإنتاج دول خارج ''أوبك'' بمقدار 200 ألف برميل يوميا مقارنة بتوقعاتها في الشهر الماضي. هذا التعديل أجبر الوكالة على تخفيض توقعاتها للطلب على نفوط ''أوبك'' والمخزون بمقدار 100 ألف برميل يوميا. المثير في الأمر أن هذا التخفيض كان الزيادة نفسها التي أضافتها الوكالة في الشهر الماضي. بعبارة أخرى، الرقم الحالي هو الرقم نفسه في التقرير الذي نشرته الوكالة منذ شهرين.
أما بالنسبة لعام 2011 فإن كلا من وكالة الطاقة الدولية و''أوبك'' تتوقعان زيادة الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميا. الغريب في الأمر أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع انخفاض إنتاج دول خارج ''أوبك'' عام 2011 بمقدار 160 ألف برميل يوميا بسبب توقعها انخفاض الإنتاج في كل من المكسيك والنرويج. لكن لو تمعنا في الأدلة مرة أخرى فإن احتمال زيادة طفيفة في الإنتاج في عام 2011 أكبر من الاحتمالات الأخرى.

الطلب على نفوط ''أوبك'' الخام
نظرا لأن ''أوبك'' تتوقع نموا في الطلب أقل من غيرها، وتتوقع زيادة في إنتاج دول ''أوبك'' أكبر من غيرها، فإن حصيلة ذلك هو انخفاض الطلب على نفوط ''أوبك'' الخام بمقدار 200 ألف برميل مقارنة بالعام الماضي، حيث تتوقع ''أوبك'' أن يصل هذا الطلب إلى 28.7 مليون برميل يوميا. (لكنها تتوقع أيضا زيادة الطلب على السوائل الغازية بمقدار نصف مليون برميل يوميا، خاصة أن هذه السوائل لا تخضع لحصص ''أوبك'' الإنتاجية).
هذه النتيجة تتنافى مع توقعات إدارة معلومات الطاقة، حيث إنها تتوقع زيادة الطلب على نفوط ''أوبك''، الأمر الذي يتطلب قيام ''أوبك'' بزيادة الإنتاج، فإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن يزيد الطلب على نفوط ''أوبك'' الخام بكمية طفيفة قدرها 38 ألف برميل يوميا.
بالنسبة لعام 2011، تتوقع ''أوبك'' أن تسترجع عام 2011 ما ستخسره عام 2010, حيث تتوقع أن يرتفع الطلب على نفوطها بمقدار 200 ألف برميل يوميا. ويتفق هذا التوقع مع توقعات وكالة الطاقة الدولية، بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن يرتفع الطلب بمقدار 55 ألفا فقط، وذلك لأنها، بخلاف ''أوبك''، تتوقع زيادة الطلب على نفوط ''أوبك'' في عام 2010.

الخلاصة
نظرا لتباطؤ الانتعاش الاقتصادي، ونظرا لأن جزءا من هذا الانتعاش مرتبط بقيام الحكومات بضخ مئات المليارات من الدولارات في شرايين اقتصاداتها، فإن الطلب على النفط قد لا يتوافق مع النمو في الناتج المحلي وفقا للعلاقة التاريخية. لهذا فإن معدلات نمو الطلب على النفط ستكون أقل من التوقعات المبنية على الربط التاريخي بين النمو الاقتصادي ونمو الطلب على النفط. إلا أن المفاجآت ما زالت تتوالى من دول مختلفة بشأن الزيادة في إنتاج النفط خارج دول ''أوبك''. هذا يعني أن الزيادة في الطلب على النفط قد تكون أقل مما يتوقعه كثيرون، في الوقت الذي سيرتفع فيه إنتاج دول خارج ''أوبك''. وسينتج عن ذلك ضغوط على أسعار النفط قد تجبرها على الانخفاض مؤقتاً، لكن الأمر في النهاية سيعتمد على تصرفات بعض دول ''أوبك'' ومدى رغبتها في تخفيض الإنتاج. وهذا يعني أيضا أن أسعار النفط التي سادت في الأشهر الماضية مرتفعة نوعا ما، لا تسهم في الانتعاش الاقتصادي، بينما تحفز الإنتاج في دول خارج ''أوبك''، خاصة في الولايات المتحدة وكندا.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشركة التي يعمل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي