أبعاد الأزمة وتداعياتها في أفغانستان وباكستان
أظن أن القارئ العربي والمسلم يحتاج إلى أن يفهم ببساطة ماذا يحدث في أفغانستان وباكستان ومضاعفات ما يحدث في البلدين على العالمين العربي والإسلامي، فالمعلوم أن أفغانستان تتمتع بموقع استراتيجي مع الصين وروسيا والإمبراطورية البريطانية في الهند في القرون الماضية، وهذا الموقع وحده هو الذي جلب إلى هذا البلد الجبلي كل صور الغزو الأجنبي، الذي تحالف أهله مع الطبيعة في طرد الغزاة، أما باكستان فقد قامت على أساس الأغلبية الإسلامية في شبه القارة الهندية التي كانت تسمى كلها الهند، فقسمتها بريطانيا ـــ بعد تفاعل سياستها فرق تسود بين المسلمين والهنودس عام 1947 ـــ إلى دولتين تاركة سدس الهند وجيوباً في كشمير من المسلمين، بحيث رهنت باكستان والهند مستقبليهما بالصراع بينهما، وتمخض الصراع عن انقسام باكستان عام 1971 وميلاد بنجلادش.
بدأت الأزمة الراهنة في أفغانستان بالغزو السوفياتي في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 1979، حيث كانت أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران قد بدأت منذ أيام، فدخل الغزو السوفياتي دائرة الحرب الباردة بين العملاقين السوفياتي والأمريكي ثم تحول الجهاد ضد موسكو إلى حرب أهلية ظهرت بعده طالبان بدعم أمريكي، بينما كان العملاق السوفياتي قد تحلل إلى جمهوريات صغيرة. وفجأة حدث خلاف بين طالبان وواشنطن وظهرت القاعدة في أفغانستان ثم اتهمت القاعدة بتفجير السفارتين الأمريكتين في نيروبي ودار السلام ثم اتهمت القاعدة بتدمير أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الأمريكية، فلما رفضت طالبان تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن قامت واشنطن بغزو أفغانستان ومعها 19 دولة عضو في الناتو بحجة القبض على بن لادن وعلى زعيم طالبان. على الجانب الآخر، كانت باكستان هي المسرح الذي انعكست عليه جميع تطورات الموقف في أفغانستان. فمنها انطلق الجهاد وعلى أرضها انقسم المجاهدون إلى شيع يضرب بعضهم رقاب بعض، ومنها انطلق الطالبانيون، وخلال هذه الأحداث التي تكمل عقدها الثالث نمت تيارات دينية متطرفة مناهضة للتحالف بين الحكومة والولايات المتحدة والتحمت هذه الجماعات مع منظمات حقوقية واجتماعية فرضت تغير النظام في إسلام أباد ولكنها لم تتمكن من المعادلات الجديدة التي تعقدت بسبب الغزو الأمريكي لأفغانستان فتحالفت طالبان أفغانستان مع طالبان باكستان. والجديد في هذا المشهد هو أن كرازى، الحاكم الذي ظهر مع الاحتلال الأجنبي في أفغانستان ظل يتهم حكومة إسلام أباد بعدم الإخلاص في الحملة الأمريكية للحرب على ما يسمى بالإرهاب في البلدين، بل ظهرت وثائق أمريكية جديدة تتهم المخابرات الباكستانية بدعم الجماعات المناهضة للولايات المتحدة، في الوقت الذي أدت هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار على مناطق القبائل في البلدين إلى أزمة عميقة مع حكومتي أفغانستان وباكستان.
خلال الأشهر الأخيرة بدأ المواطن الغربي يتساءل عن مهمة القوات الغربية في أفغانستان وباكستان وأقدم جنود على الانتحار بحثاً عن الإجابة، ثم بدأت دول أعضاء في التحالف تسحب قواتها وتعلن أخرى خططا للانسحاب.
الوضع الحالي يؤكد أزمة الوجود العسكري ومصيره، واستحالت هزيمة طالبان عسكرياً وكذلك استحال التفاوض مع تعاطف حكومي أكبر في البلدين مع المدنيين ضد القوات الغربية، فمتى ينسحب الغرب من البلدين وكيف يسود السلام فيهما بأوضاع تتطلب مساحة أكبر!