«ما هذا السرف يا سعد» (خلوه يسورب .. سوربه)
منذ سنوات عدة بينما كنت آخذ دشا ساخنا لزوم إرخاء عضلات وأعصاب الرقبة والكتفين انقطع الماء فجأة واختفى الماء الساخن.. وبعد انتظار طويل أخذ يسورب خيطا دقيقا من الماء الذي لا هو بالساخن ولا البارد.. وعلى العموم كان كافيا لإزالة بقايا الصابون والشامبو والكلدشينر (عاشوا الصلعان، شجعوا الصلعان).
ومن ثم توضأت، وأسأل هنا هل يلزم من استحم أن يتوضأ أم يكفي الاستحمام؟ أعود إلى الموضوع، فقد حمدت الله على انتهاء الأمر بسلام، ومن يومها تعلمت درسا عمليا أن القليل من الماء يكفي لأي غرض يحتاج إليه الإنسان .. وأن آباءنا كانوا يتوضأون بملء طاسة صغيرة من الماء.. وأن سوربة الماء من الدش تكفي للاستحمام الكامل وأن تنقيط البزبوز (الصنبور) يكفي لغسيل اليدين والوجه، كيف لا ونحن نسمع ونقرأ من صغرنا في الابتدائي حديث معلمنا وقدوتنا ورسولنا الكريم (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال: (ما هذا السرف يا سعد؟.. قال أفي الوضوء سرف؟ قال نعم، وإن كنت على نهر جار). مسند الإمام أحمد - مسند المكثرين من الصحابة.
لكن يبدو أن بعضنا إذا سمع حديثا أو نصيحة أو كلاما مفيدا رحنا نخالفه بالسبل والوسائل كافة، وإلا كيف ذلك التبذير في الماء بالبزابيز والدشوش والبانيوهات (يجب منع استيراد واستخدام البانيوهات؛ لأنها تضيق المكان وخطرة الاستعمال.. كم واحد اندلق وانزلق بدخولها والخروج منها قفزا.. إضافة إلى أنها تضيّع كميات كبيرة من المياه)؛ ولذلك يقال لثقيل الظل عذرا للفظ السلبي مع أنه اسم إيجابي (مثل البانيو) أي يضيق المكان والصدر، حتى إن التصاميم الحديثة والذكية استغنت عنه واستخدمت مكانه آلة مفيدة مثل سيور رياضة أو كيس ملاكمة.. أو حتى مكتبا صغيرا لمن يحبون أن يقرؤوا أو يتفكروا في هذا المكان. حتى إنه سمي قديما "بيت الفكر" أو بيت الراحة.
أعود إلى الحديث الشريف (ما هذا السرف يا سعد؟) كيف لا ونحن في الرياض وسط المملكة في صحراء جافة حافة ما عندنا لا ماء بحر مالح ولا حامض ونقع على حافة ماسورة قادمة من الخبر في المنطقة الشرقية ولسنا على حافة نهر، وكذلك جنوب المملكة وشمالها حتى أم القرى شرَّفها الله تشرب من طرف ماسورة.
وسلامتكم حتى نستكمل الموضوع... غدا
كلمات:
يسورب: أي يسرب!!!