ما ينقصنا هو التوثيق الإعلامي
أصبح الإعلام في هذا العصر وسيلة التواصل الأكثر تأثيرا، وقد يفوق تأثير المدرسة والأسرة والمسجد أحيانا. وأصبحت المنابر الإعلامية تطالعنا بأصناف مختلفة من الدروس والعبر، بل أجزم أنها أصبحت الوسيلة الأكثر تأثيرا في هذا الزمان. يدعم ذلك أن امتلاك وسيلة أو منبر إعلامي أصبح في هذا الوقت من أبسط وأسرع الأمور، ومن الأمثلة على ذلك المدونات الشخصية والبودكاست، الفيس بوك، توتير وغير ذلك من القنوات الإعلامية الاجتماعية التي فصلت الفرد عن محيطه الاجتماعي.
يلعب التأثير الإعلامي دورا محوريا في تشكيل شخصيات الأفراد، والتأثير عليها وإبراز دور القدوة الصالحة. هذا في حين أن وسائلنا الإعلامية الأخرى قد تجمدت عن مواكبة هذا التطور السريع، أو أنها تتبنى دورا سلبيا يؤدي إلى هدم الشخصية السوية، وإشاعة بعض المفاسد التي تدمر أخلاقيات الأجيال الصاعدة.
في رد على مقال الأسبوع الماضي من القارئ "ابن المؤذن" يتحدث فيها عن دور جمعية البر في الرياض، التي أقامت محال تجارية لبيع الأثاث المستعمل، ويتساءل: إذا كنا نستطيع أن نصف هذا العمل ضمن أعمال المسؤولية الاجتماعية للشركات؟.. طبعا جمعية البر من الجمعيات الخيرية، ونسعد بمعرفة أن مثل هذه الجمعيات تتطور في توسيع ودعم مصادر الدخل الذي تعتمد عليه في دعم أعمالها الخيرية، ونعم هي جزء من المسؤولية الاجتماعية للقطاعات العاملة على أرض الوطن. فهي بذلك توفر مصدر دخل لتغطية مشاريع الجمعية، ويا حبذا لو كان العاملون في هذه المحال من أبناء الأسر الذين تدعمهم الجمعية، فتكون الجمعية بذلك "ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد"، أوجدت موردا ماليا للجمعية، وأسهمت في توظيف وتعليم المستفيدين من هذه الجمعية، وأكثر من ذلك أسهمت في المحافظة على البيئة من التأثيرات السلبية التي قد يخلفها التخلص من هذه المواد، التي قد تكون صالحة للاستخدام لفترات أطول.
وفي مشاركة للدكتور ناصر سعيدي، وزير اقتصاد لبناني سابق، وعضو مجلس إدارة معهد حوكمة في دبي، على توتير نقل فيها خبرا عن تبرع 38 مليارديرا أمريكيا بنصف ثرواتهم للأعمال الخيرية، وتمنى أن يسمع أو يرى اثنين فقط من أثرياء العرب يقومون بالعمل نفسه. أكاد أجزم أن هناك أكثر من اثنين يا دكتور ناصر، ووعدتك أن أنقل الأسماء، لكن بحثي عن الأسماء لم يؤكد ما جزمت به، وعليه فإني أشارك الدكتور سعيدي أمله وحلمه، بأن نرى أكثر من اثنين من أثرياء العرب وقد تبرعوا للأعمال الخيرية بربع ثرواتهم، أو أوقفوها لقطاعات الأعمال الخيرية، هذا القطاع الذي يسميه رواد القطاع الخيري "بالقطاع الثالث في المجتمع".
ما زلت متفائلا أن هناك من أثرياء العرب من تبرعوا أو يتبرعون بجزء من ثرواتهم لدعم القطاع الخيري، وأعتقد أن المشكلة في عدم وصول مثل هذه القصص المشرّفة إلى مسامع الناس يرتكز على عدد من المسببات، من أهمها: غياب قنوات التواصل مع الإعلام، وانشغال الإعلام بأمور أقل أهمية، وغياب المتخصصين من الإعلاميين أو الوسائل الإعلامية التي تتبنى توثيق مثل هذه الأعمال وإبرازها للمجتمع، إضافة إلى سبب رئيس وهو أن المنفق في سبيل الله في أحيان كثيرة يريد أن يكون إنفاقه بينه وبين ربه؛ حتى لا يقع في الرياء. ولهؤلاء أقول إننا في ثقافة تتأثر بالأعمال المحيطة، فبادروا بتوثيق أعمال الخير حتى تنتقل الحمى إلى غيركم، وتكسبوا أجر المبادرة وأجر من عمل بها.
لا أعتقد أن الإعلام يمنع أو يحجب أي عمل خيري من الظهور، وهنا لست مدافعا عن الإعلام وأهله. فالإعلام حاضنة لكل ما يحصل عليه من معلومات، وهذه الزاوية وكاتبها ترحب بتوثيق أي عمل خيري قد يسهم في دعم المجتمع.