هل يفترس الحاضر الماضي؟!
عندما تتجول سائحا في مدن أوروبا ستكتشف أنك ملزم، حتى وإن كنت من طائفة سياحة المقاهي! أن تنجذب إلى الأزقة القديمة والمباني العريقة والآثار التاريخية التي أرسلت بعض إكسسواراتها إلى المتاحف الفاخرة، وبقيت هي بكيانها المحسوس، مستندة إلى زقاق .. أو مطلة على نهر.
هذا ليس في أوروبا ''العجوز'' فحسب، بل حتى في أمريكا ''الشابة''، عندما لم تجد لها تاريخا كافيا لملء المتاحف، نظرا ً لحداثة سنها، فقد قامت بحفظ تاريخ السكان الأصليين. لا بأس .. فقد يجيّر هذا الحفظ سلبيا ضد أمريكا، لكن الرسالة نبيلة في الاحتفاظ بتاريخ الأرض .. لا تاريخ الدولة فحسب.
بقدر ما تحافظ الأمم والدول على كنوزها ترتفع قيمتها في مزاد الثقافة والحضارة. والجزيرة العربية كانت منذ آلاف السنين مهبطا ومعبرا لمختلف الحضارات والأديان والثقافات واللغات والأعراق، ورمالها لا شك تدفن تحتها طبقات من كنوز الحضارات المتوالية، منها ما حُفر واكتشف على يد علماء الآثار السعوديين وغير السعوديين، ومنها ما لا يزال مدفونا ينتظر الحفّار.
عندما التحقت بمنظمة ''يونسكو'' أدهشني وآلمني أن أجد لائحة التراث العالمي خلوا من اسم المملكة العربية السعودية، الغنية بالآثار والتراث الذي يسيل له لعاب اللائحة العالمية.
ولحسن الحظ، لم يدم ألمي طويلا، فديناميكية وفعالية رئاسة اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم ورئاسة الهيئة العامة للسياحة والآثار، أبتا استمرار هذا التهميش لتراث المملكة المتنوع والمتعدد. وكان بالفعل أن قامت هيئة الآثار والسياحة بالتنسيق مع المندوبية الدائمة للمملكة لدى ''يونسكو'' بتقديم ملف ترشيح ''مدائن صالح'' لدخول لائحة التراث العالمي.
وقد شاهدت بنفسي في اجتماع لجنة التراث العالمي بكندا 2008 م، الدهشة والإعجاب، بل والعجب من التأخر في تقديم ''مدائن صالح'' للإدراج العالمي، وهي بهذه الروعة والعراقة والغرائبية. ولم يدم النقاش والتصويت طويلا حول قبول أعضاء لجنة التراث العالمي الطلب السعودي، فقد تحقق الحلم واقتحمت المملكة العربية السعودية، بجدارة لا شك فيها، لائحة التراث العالمي.
تسجيل موقع ''مدائن صالح'' كسر الحاجز النفسي، فأصبحنا نترقب بعد ذلك ما ستسفر عنه قرارات لجنة التراث العالمي في اجتماعها بالبرازيل 2010 من موقفها الإيجابي بقبول تسجيل الدرعية التاريخية ضمن لائحة التراث العالمي. والآن أصبحنا ننتظر مرور ملف ''جدة التاريخية'' في العام المقبل بإذن الله، والبقية تأتي .. من كنوز تراث وآثار المملكة العربية السعودية، في تاريخ ما قبل الإسلام ثم التاريخ الإسلامي ثم التاريخ السعودي.
الأمم لا تزهو بحاضرها فحسب، بل أيضا بماضيها. وإذا كان الذي يفخر بماضيه دون أن يكون لديه حاضر .. هو إنسان ليس لديه نماء، فبالمثل إن الذي يفخر بحاضره دون أن يهتم بماضيه .. إنسان ليس لديه وفاء!
دعونا سويا نحقق معادلة: الوفاء والنماء .. معا.
المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية
لدى منظمة اليونسكو