عصر السرعة وارتفاع حالات بتر الأعضاء

مقالي لهذا اليوم موجه إلى الشؤون الصحية في كُلٍ من القوات المسلحة، الحرس الوطني، الأمن العام، وزارة الصحة وملحقاتها، وإلى كل من يُعنى بعلاج المرضى في هذا الوطن الغالي. قديماً كنا نتضاحك بعكس مقولتنا الشهيرة "آخر العلاج الكي" إلى "أول العلاج الكي". الظاهر أن هذا الوضع أصبح حقيقة، وبالفعل أصبح الأطباء والاستشاريون في مستشفياتنا الكبرى يتعاملون بنظرية أول العلاج الكي. أصبح بتر الأعضاء من أول وأسهل القرارات التي يتخذها الطبيب بالنسبة لمرضى القدم السكري ومرضى ما يعرف بمرض بورغرBuerger’s Disease، وكذلك ضحايا الحوادث المرورية، أصبحت المرأة لا تصل إلى مراحل الطلق والمخاض الأولى إلا وقد أدخلت غرفة العمليات وتمت الولادة قيصرياً، تذهب إلى المستشفى بألم في الحلق تُستأصل لوزتاك، تذهب إلى المستشفى بألم في البطن تُستأصل الزائدة الدودية. كم أحمد الله على نعمة عدم إمكانية استئصال المخ، وهذه النعمة فيما يظهر هي العقبة التي تقف عائقاً بين الأطباء وبين استئصال المخ لمن يشكو من الصداع ويذهب إلى أحد مستشفياتنا.
من الطبيعي أن يعترض إخواني الأطباء والمسؤولون في الشؤون الطبية على عدم دراية الكاتب بالطب وشؤون الطب، لكن دعونا لا نتسرّع ونناقش الموضوع ليس من الناحية الطبية التي هم أدرى بها، بل من الناحية الإحصائية لموضوع واحد وهو موضوع بتر الأعضاء بالخصوص مرضى القدم السكري ومرضى بورغر. هل تعلمون يا سادة كم من الحالات التي شُخصت بالحاجة إلى البتر السريع في مستشفياتنا وذهب أصحابها إلى ألمانيا ولم يتم أي بتر ورجع أصحابها أصحاء ويمشون على أرجلهم وكأن شيئا لم يكن؟ حقاً أتساءل: هل الطب الذي يُدّرس في ألمانيا وفي أمريكا وفي بريطانيا يختلف عن الطب الذي يُدّرس في المملكة والدول العربية؟ أليس الطب هو الطب في كل مكان؟ هل لديهم أجهزة وأدوية وتقنيات طبية لا توجد لدينا؟ أم أن وجود القَسَم (قسم أبوقراط) لديهم ونحن لا يوجد لدينا قَسَم، فذلك يلعب دوراً في تفانيهم ودقتهم في تشخيص وعلاج الحالات المرضية فأصبحوا هم من يطبق نظرية آخر العلاج الكي (هل فعلاً نحتاج إلى قَسَم ونحن خير أمة أخرجت للناس؟). كم هي الحالات التي أهُملت ولم تُشَخص بشكل دقيق ويتم التعامل معها بحرفية حتى وصل الالتهاب إلى العظم، وبعد ذهاب المريض إلى الخارج وقف الأطباء هناك مندهشون ومذهولون لوصول الحالة إلى ما وصلت إليه بالرغم من أن علاجها كان يكمُن في تكثيف جرعات المضادات الحيوية لتفادي وصول الالتهاب إلى العظم أو الوصول لمراحل الغرغرينة. قد أتفق مع الأطباء في أن بعض الحالات تأتي إليهم وقد وصلت إلى مراحل متقدمة، لكن هذه ليست كل الحالات ولا يمكن أن يكون ذلك هو السبب. من يتخذ قرار بتر الأعضاء في مستشفياتنا؟ جراحون حديثو التخرج؟ أطباء؟ استشاريون؟ أم بروفيسورات الطب؟ كم منهم يشرح ويوقع على أن الحالة تستدعي البتر السريع حفاظاً على حياة المريض؟ هناك كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي إن أورِدت لأخذت كل الحيّز المفروض للمقال، لذلك سأقف هنا عن التساؤل، لانتقل إلى بعض الإحصاءات المعلنة ربما تتم الاستفادة منها لنرحم بها مرضانا.
لقد سبق أن صرّح رئيس جمعية السكري بأن هذا المرض على مشارف الوصول إلى أن يُصنّف بالوباء أي أن ما نسبته 30 في المائة من تعداد السكان الكلي أي نحو ثمانية ملايين نسمة مصابون بمرض السكري. ألا يدق هذا ناقوس الخطر لدى المسؤولين عن الشؤون الصحية في الوطن؟ قرأت خبراً صادرا من مدينة الملك عبد العزيز الطبية مفاده أنهم يقومون ببتر ثلاث حالات قدم سكري يومياً أي تسعون حالة شهرياً، وأن 40 في المائة من حالات جروح القدم السكري تنتهي بالبتر، مع ارتفاع الأعداد في الفئات السنية الشابة. هل نعي خطورة هذه الإحصاءات! هذا يعني أن 2.400 ألف معرّضون ومؤهلون في أي وقت أن يكونوا ضحايا بتر القدم السكري، هذا يعني أن من هؤلاء يوجد 960 ألف مريض قد بترت أقدامهم أو أجزاء من أقدامهم فعلاً، (هذه الأرقام ناتجة بالقياس على أرقام وتصريحات مدينة الملك عبد العزيز الطبية وليست بالضرورة أن تكون الأرقام الحقيقة). في وجهة نظري الشخصية لقد تقدمنا خطوات جيدة في إعلان الأرقام والإحصاءات للحالات المرضية، وتأخرنا كيلومترات في التعامل مع تلك الأرقام والإحصاءات بما يتناسب معها من الحيطة والحذر المستقبلي، كل ما أخشاه أن يأتي علينا وقت في المستقبل القريب ويعتقد من ينظر إلينا أننا خُضنا حرب ضروس نِتاجها هذا الكم الهائل من الشباب الذين بُتِرت أرجلهم.
لا أريد أن أُفهَم بالخطأ من قِبل إخواني الأطباء، ربما سرعة الإجراء سببها التكدُس وكثرة الحالات التي عليهم مباشرتها، من الواضح أن الخطأ يكمُن في النظام الطبي وعدم وجود مراكز متخصصة لعلاج مثل هذه الأمراض. الدولة ـــ رعاها الله ـــ تعي جيداً انتشار الأمراض المستوطنة التي كان المسبب الأول لوجودها هو نمط الحياة التي نعيشها، فقامت بتوفير وبناء مراكز متخصصة لعلاج أمراض القلب، أمراض الكِلى ومراكز غسيل الكِلى، مراكز العلاج ومراكز البحوث الخاصة بالسرطان. أليس الأجدر بالمسؤولين في وزارة الصحة والشؤون الطبية الرفع للمقام السامي بضرورة بناء واستحداث مراكز متخصصة منفصلة لعلاج الأمراض الناتجة عن مرض السكري ومرض بورغر. أرجع مرة أخرى لأردد السؤال نفسه: هل تعني لنا تلك الإحصاءات المهمة لحياتنا، أم هي مجرد أرقام تمر أمام ناظرينا ونحن ننتظر أن تفتك الأمراض والطب السيئ بنا وبأجيالنا القادمة، هل من يسمع؟؟
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي