آسيا تواجه عجز أمريكا عن سداد دينها السيادي
قلة قليلة من الناس تصدق ذلك. والأمريكيون ينبذونه كلياً. والمحللون الماليون لا يتناولونه في كتاباتهم. ووكالات التصنيف تنظر إليه بازدراء.
ومع ذلك، فإن من المرجح، بل من المؤكد تقريباً أن تعجز الولايات المتحدة قبل عام 2020 عن سداد دينها السيادي. أما الشكل الذي سيتخذه هذا العجز وكيف سيكون مآله فأمر تصعب معرفته، لكن ستحدث عملية إعادة هيكلة تؤدي من الناحية العملية إلى شطب جزء من هذا الدين. وحيث إن الدائنين الرئيسيين موجودون في آسيا، فإن صدى التداعيات ـــ على الصعيدين السياسي والاقتصادي ـــ سيكون أكثر حدة في هذا الجزء من العالم.
لنبدأ بإلقاء نظرة على الأرقام. يبلغ إجمالي الدين المترتب على الحكومة الاتحادية، والأسر، والولايات، والشركات.. إلخ، قرابة 400 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ـــ وهو مبلغ تافه قدره 60 تريليون دولار أمريكي. وحتى أثناء الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، لم يتجاوز نسبة 350 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويشكل الدين الاتحادي ربع هذه النسبة، حيث يبلغ نحو 13 إلى 14 تريليون دولار أمريكي. وليس هذا بالرقم الذي لا يمكن إدارته، لكن المشكلة الرئيسية هي أنه مستمر في الزيادة بدلاً من وضعه تحت السيطرة.
في ظل الظروف المواتية، ستزداد دفعات الفائدة من نحو 250 مليار دولار حالياً إلى 800 ـــ 900 مليار دولار في عام 2020. وإذا تعثر النمو الاقتصادي، سيصبح هذا الرقم أعلى بسبب تدني العائدات الضريبية وزيادة النفقات الاجتماعية. ويجب استعمال قرابة 250 في المائة من الميزانية الاتحادية لتغطية دفعات الفائدة الصافية (التي تبلغ نسبة 9 في المائة حالياً) وسيشكل هذا البند قرابة 80 في المائة من الإنفاق الاجتهادي.
إن المهمة المقبلة أشق عندما يأخذ المرء في الاعتبار حساباً أساسياً للتشديد المالي المطلوب لتثبيت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، أو حتى المهمة الأصعب وهي خفض هذه النسبة. لنفترض أن الولايات المتحدة تريد أن تثبت نسبة دينها إلى ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2015. لقد حسب بنك الدنمارك الوطني أن تشديداً مالياً بنسبة 2.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة ضروري ـــ أي بنسبة تراكمية قدرها 9.2 في المائة. وإذا تم تبني الهدف الأكثر طموحاً وهو خفض هذه النسبة إلى 60 في المائة في عام 2020، تكون نسبة التشديد المالي السنوية 2.8 والنسبة التراكمية 22.4 في المائة. إن منطقة اليورو في مركز أفضل لأن نسبة التشديد المالي المطلوبة 0.9 في المائة فقط، وذلك لتثبيت نسبة الدين و1.4 في المائة لخفض نسبة الدين إلى 60 في المائة في عام 2020 (وكلتا النسبتين في السنة).
في وقت ما في المستقبل غير البعيد جداً، سيتوصل صانعو السياسات في الولايات المتحدة إلى استنتاج أن عبء المديونية ثقيل جداً، وهو حجر رحى حول عنق الاقتصاد الأمريكي. وستتطلب خدمة الدين أموالاً طائلة، وسيكون نطاق السياسة النقدية محدوداً ولن يكون بالإمكان متابعة السياسة الاقتصادية التوسعية بسبب الموارد المالية اللازمة لخدمة الدين. وسيشعر الدائنون الأجانب بأن المزاج أخذ يتغير وأن استعداد النظام السياسي لفرض الضرائب على مواطنيه من أجل خدمة الدين بدأ يضعف.
كثيراً ما نسمع أن بإمكان الولايات المتحدة أن تتجاهل عبء الدين بسبب قوة الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي لا يعطي الدائنين الأجانب خياراً آخر غير الاحتفاظ بسندات الخزانة الأمريكية والأمل في الأفضل. هذا صحيح ولكن إلى حد معين فقط، ذلك أن الحصة العالمية للاقتصاد الأمريكي تتراجع باستمرار، الأمر الذي يجعل القوة العظمى أقل عظمة وأقل مناسبة بالنسبة إلى البلدان الأخرى.
لكن النقطة الرئيسية أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقبل ولن تقبل القيود على السياسة الاقتصادية التي لا يفرضها عبء الدين بل عبء خدمة الدين (الدفعات على الفائدة وعلى رأس المال). وسيشكل هذا عائقاً أمام خفض البطالة، وهي مسألة من المرجح أن تحتل المرتبة الأولى في أي معركة سياسية محلية. لذلك، سترتفع أصوات الشكوى من اتخاذ الولايات لتدابير شبه حمائية بشكل أو بآخر، إضافة إلى خطوات أخرى من جانب واحد تدل على أن الولايات المتحدة ـــ التي تعتبر حجر الزاوية في النظام الاقتصادي العالمي ـــ لم تعد على استعداد للعب بموجب القواعد التي وضعتها بنفسها. وفي حالة الاختيار بين احترام التزاماتها واحترام قواعد اللعبة، أو تحفيز الاقتصاد الأمريكي، ستكون السيادة للخيار الثاني.
سُيترَك الدائنون أمام خيارين لا يحسدون عليهما. الأول هو الاحتفاظ بما لديهم من أصول والادعاء بأنه سيتم تعويضهم بالكامل مهما حدث. والبديل الثاني هو شطب جزء من الدين المترتب على الولايات المتحدة؛ وبذلك يخففون العبء الملقى على السياسة الاقتصادية الأمريكية بدرجة تكفي لفتح الباب أمام سياسة أكثر توسعية مع الإبقاء في الوقت نفسه على الولايات المتحدة كأحد الضامنين الرئيسيين للنظام الاقتصادي العالمي. في هذا السيناريو، قد يخسر الدائنون جزءاً من استثمارهم، لكن النمو الأمريكي الأقوى سوف يعوضهم عن هذه الخسارة، بالمقارنة بالوقوف ورؤية الولايات المتحدة تتخذ خطوات من جانب واحد، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على كامل منظومة القواعد التي تحكم الاقتصاد العالمي.
إن المرء لا يعرف أبداً كيف سيكون رد فعل الناس والبلدان، ولكن بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي وإلى الدائنين، فإن البديل الثاني هو الخيار الأقل خطورة والأقل تكلفة. إن العقبة بالنسبة لآسيا هي أن اليابان تعتبر إحدى الضحايا لأن لديها ما قيمته 800 مليار دولار أمريكي من سندات الخزانة الأمريكية وتواجه مشكلة أسوأ حتى من المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة. وإذا تمت معالجة اتفاقية لشطب جزء من الدين الأمريكي من دون إتقان، فقد ينتهي الأمر باليابان بالوقوع في أزمة اقتصادية وسياسية لم تشهدها من قبل.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت بالنسبة إلى الولايات المتحدة كمدين ودائنيها في آسيا كي يفهم الطرفان أن هذين هما الخياران اللذان يستطيعان الاختيار من بينهما. لكنهما سيدركان ذلك في نهاية المطاف ويتفقان على شطب جزء من الدين الأمريكي. لكن السؤال المحير هو ما إذا كان هذا البديل سيقتصر على الاقتصاد أم أن الدائنين الآسيويين سيطلبون ثمناً سياسياً تقبل به الولايات المتحدة. إن السياسة الجغرافية لا يمكن أن تستمر ولن تستمر من دون تغيير عندما تتفاوض الولايات المتحدة مع الدائنين الذين مدوا لها يد الإنقاذ.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia