المرأة نصِف المجتمع وثلاثة أرباع الاقتصاد
قمت أخيرا بإجراء بعض القراءات والبحوث عن تأثير المرأة في الاقتصاد والكمية التي تشكلها القوة الشرائية النسائية على الدورة النقدية وما إلى ذلك من عناوين اقتصادية. لسوء حظي وجدت أن معظم المواد البحثية الموجودة أكاديمية بحتة ومعظمها يتمحور حول مشاركة المرأة في الأعمال الصغيرة والمتوسطة وبعض الطروحات البسيطة سواء كان ذلك في المملكة أو خارجها، وحقيقة لم تف بالغرض المطلوب للبحث. لحل هذه المعضلة اضطررت إلى الرجوع إلى تفكيري البسيط فيما يخص هذا الموضوع وإلقاء نظرة على بيئتنا القريبة، وماذا يمكن أن أستخرج منها من حلول وتوجهات. سألت نفسي سؤالا افتراضيا بسيطا جداً Simple Hypothetical Question يمكن من خلاله محاولة معرفة التأثيرات وما ينتج بعد ذلك من السؤال (ماذا يحدث لو توقفت المرأة عن الشراء؟).
لنُلق نظرة إلى مئات الأسواق التجارية والمولات والميجا مولات المنتشرة في جميع مدن المملكة، لو افترضنا أن هذه الأسواق مقسّمة إلى ثلاثة أقسام: 50 في المائة معروضات ومستلزمات نسائية، 25 في المائة معروضات ومستلزمات أطفال، (وهذه أيضاً تأتي تحت دائرة مشتريات المرأة)، و25 في المائة معروضات ومستلزمات رجالية. بالرجوع إلى السؤال الافتراضي وهو عزوف المرأة عن الشراء، لنر ونحاول استنتاج ماذا سيحدث، في البداية سيكابر أصحاب المحال ويبقون على الأسعار كما هي، لعل المرأة منشغلة عن الشراء ولكنها ستأتي في نهاية المطاف. بعد ذلك يظهر جلياً هبوط مستوى المبيعات، فتبدأ مرحلة التخفيضات بداية من 20 في المائة، ومن ثم 50 في المائة، بعد ذلك 75 في المائة وصولاً إلى تصفية شاملة على جميع المعروضات. لنفرض أن المرأة مازالت عازفة عن الشراء حتى مع جميع تلك المغريات، ندخل بعد ذلك في مرحلة (المعرض للتقبيل) وإذا كان هناك آلاف المعارض التجارية المعروضة للتقبيل ماذا سيحدث في سوق العقارات للمحال التجارية؟ إذاً المرأة لها دور رئيس في استمرارية دوران العجلة الشرائية الاقتصادية وهي الداعم الرئيس لأسواق العقارات التجارية، فهل يعاملها التجار والعقاريون بما يتناسب مع مكانتها لأنها السبب في بقائِهم فوق خط الخسارة والإفلاس؟ أترك الإجابة على هذا السؤال لإخواتي الفاضلات فهنّ أعلم بما يعاملهن به التجار. ويمكننا القياس على ذلك للدائرة التي تأتي تحت قسم المشتريات الخاصة بالمرأة مثل المفروشات بجميع فروعها، الأواني المنزلية، الأجهزة الكهربائية المنزلية، ولا ننسى المكتبات التي أكاد أجزم بأن مشتريات المرأة تُشكّل أكثر من 70 في المائة من مبيعاتها. ناهيك عن ماذا سيحدث لمحال بيع المصوغات والحلي الذهبية لو عزفت المرأة عن الشراء، لن تهبط أسعار الذهب لارتباطها بأسعار الأسواق العالمية ولكن سيكون هناك الألوف من محال الذهب المعروضة للتقبيل.
دعونا الآن ندخل في دائرة التضخم المرتبط بالمواد الغذائية والمستهلكات الضرورية لحياة الإنسان والتي هي في مجتمعنا غالباً ما تدخل تحت مسؤولية المرأة الشرائية، مع مرور الزمن وحجم هذه المسؤولية اكتسبت المرأة خبرة وحِنكة لا يستهان بها في معرفة فروقات الأسعار خصوصاً أسعار المواد الغذائية، كثيراً من الأحيان استغرب (وأنا أدفع بعربة التسوق خلف زوجتي) بمرورها على بعض الخضراوات والفواكه والمعلبات وتنظر إلى ملصق الأسعار وتستمر في المشي. في آخر مرة كنت معها في أحد الأسواق الكبرى وكما هي العادة، توقفت عند معروض الخِيار نظرت إلى السعر وتابعت السير، ثم رجِعت إلى الخِيار وأخذت الكيس وعبأته بما يقرب ستة خيارات أو أكثر قليلاً، وكل ذلك وأنا مندهش. في السيارة سألتها ما هي مشكلتك مع الخِيار؟ ولماذا هذه الكمية التي لا تكفينا ليومين؟ أجابت بأنه قبل عشرة أيام كان الكيلو بستة ريالات والآن الكيلو بأربعة عشر ريالا، لو استمررنا في شراء الكمية نفسها لن تنزل الأسعار، لا أخفيكم سراً؛ فيما كانت تتحدث كنت أتساءل بيني وبين نفسي، هل يعُقل أن زوجتي تتسوق من منطلق نظرية (مرونة الطلب) أو Elasticity of Demand التي تُدرَس في علوم الاقتصاد.
لقد استعان كيان بحجم مجلس الشورى بالمرأة وخبراتها القيّمة في مجالات عدة، وتم تكوين لجان نسائية استشارية تقوم برفع مرئياتها في مواضيع مهمة تُدرج ضمن نقاش الأعضاء، فما هو حجم استعانة وزارة التجارة بالمرأة وخبراتها الاقتصادية حتى في أبسط الأمور وهي جس نبض الأسواق والرفع باقتراحات ودراسات اقتصادية أثبتت أنها هي الأولى والأحق بالقيام بها. اقتراحي لهيئة الغِذاء والدواء وجمعية حماية المستهلك الاستعانة بخبرات المرأة في جميع اتجاهاتهم العملية والفنية، فهي الأقرب للأسواق وتعرف جيداً ما يُعرض بها من مواد قد تكون ضارة ومميتة وغير صالحة للاستخدام الآدمي، هي أقرب لمستويات الأسعار وجشع التجار، هي أقرب لما يباع لأطفالنا من مواد تضر بصحتهم وسلامتهم. أنا لا أقلل من شأن الرجل هنا، ولكن يبرع الرجل في أمور كثيرة وتبرع المرأة في أمور كثيرة أيضاً، فيجب علينا إعطاء الخبز لخبازه، وفي آخر المطاف لا يصح إلا الصحيح.