الحق في النقد

الحساسية من النقد شعور يشترك فيه الأفراد والمؤسسات معا خاصة في مجتمعاتنا, إذ ينظر إلى النقد باعتباره نقيصة وانتقاصا قد تصل للعداوة، وأداء المؤسسات الرسمية أكثر عرضة للنقد، على أساس أنه عمل عام يمس مصالح الجميع، ويفترض في القائمين عليه أن ينظروا إلى الوجه الإيجابي للنقد، لا أن ينظروا إلى النقد باعتباره هجوما على أشخاصهم أو تقليلا من جهودهم. نعم المؤسسات الرسمية تؤدي أعمالها من خلال أفرادها على اختلاف مراتبهم ومهامهم, إلا أن المؤسسة تبقى والأشخاص يتغيرون، والوطن يجب أن يكون الكاسب دوما مهما ضاقت الأنفس بالنقد. النقد البعيد عن "الشخصنة" تقرير محايد لكل مسؤول حكومي لا يجب إحالته للعلاقات العامة مشروحا "لإكمال اللازم"، إنما يفترض مناقشة محتواه لتفادي أوجه القصور ـ إن وجدت ـ وتطوير الأداء.
النقد البناء رقابة على أداء الأجهزة الحكومية دون أن يكلف الخزانة العامة ريالا واحدا، عمل لا يقوم على المراسلات الرسمية أو التقارير المشتركة أو "المفاهمات" الخاصة, إنما يتغذى من الرغبة في التنبيه على أوجه القصور في الأداء العام لتحقيق المصلحة العامة. هو حق تعترف به أنظمة المملكة، ولا يجب المساس بهذا الحق طالما يمارس بشروطه، جاء في المادة 9/8 من نظام المطبوعات والنشر (1421) في التزامات المطبوعات: "أن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة"، كما أكدت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد (1428) دور الإعلام؛ حيث نصت في الوسائل على: "رصد ما ينشر في وسائل الإعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد".
وفي المقابل, فإن الحق في النقد محكوم بشروط يتعين الوفاء بها ضمانا لتحقيق الموضوعية والمصلحة العامة، وليصبح النقد قيمة اجتماعية محترمة في مجتمع يسعى إلى تصحيح أخطائه وتطوير منجزاته. شروط ترسم الطريق الصحيح لاستعمال حق النقد, فتحفظ للمؤسسات العامة اعتبارها في الوقت الذي تتناول أداءها.
يجب أن يكون النقد مبنيا على وقائع صحيحة لا أن يبنى على الاعتقاد الخالي من التثبت والمصداقية، كأن يصبح المقال الصحافي صدى لما تطرحه مواقع الإنترنت دون أن يبذل الكاتب أو الصحافي جهده في تحري هذه المعلومات والتأكد من صحتها، ويلزم أن يكون محل النقد موضوعا ذا أهمية للمجتمع يستحق التصدي له بالنقد؛ إذ لم يشرع هذا الحق إلا لمصلحة المجتمع, فيتناول ما يهمه ويعنيه، وإذ تختلف أساليب الكتابة المتعلقة بالنقد وتتنوع؛ إلا أن التعبير بأسلوب ملائم ومقبول عن الأداء أو الموضوع المنتقد أمر يحقق أهداف النقد؛ فلا يتحول النقد إلى تجريح أو مبالغة تفقد الثقة وتتطاول على الأشخاص. والنقد الخالي من النوايا الحسنة هو إخلال بالمصالح التي يستهدفها حق النقد, فلا نقد يقوم على النوايا السيئة والأهداف المبطنة.
ممارسة الحق في النقد ليست أمرا يسيرا في مجتمعات تتداخل فيها العلاقات والمصالح، وتتشابه فيها الانطباعات والآراء، كم من نقد لاذع تلاه مديح مبتذل، وكم من ثناء في صورة انتقاد. والأمر ليس هذا أو ذاك؛ فلا النقد غاية ولا المديح وسيلة؛ إنما إيماننا جميعا بأن الكلمة أمانة هدفها المصلحة العامة، تتلمس طريق الحقيقة بموضوعية وصدق، وبلا مبالغة أو تجريح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي